الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمحدثات في الدين تذم لأنها في الدين تخترع وإليه يضيفها صاحبها ، وعلى العكس من ذلك المحدثات في الدنيا فإنها لا تخترع في الدين ولا تضاف إليه ، ولذا لم تكن مذمومة بل مشروعة مباحة، وهذا مثل اختراع الساعة ، والسيارة ، ومكبر الصوت ، والكومبيوتر ، وما شابه ذلك .
والاحتفال بالمولد مخترع في الدين مضاف إليه لأن الفاعلين له -كما هو معلوم- يتقربون به إلى الله, والله لا يتقرب إليه إلا بما شرع ، فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع ، قال الله تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا { الجاثية: 18 ـ 19 } وقال تعالى : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ {الشورى: 21 } وثبت في سنن الترمذي وقال عنه الترمذي حديث حسن صحيح من حديث العرباض بن سارية أنه صلى الله عليه وسلم قال : .... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة ضلالة . وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة . وليس في هذا أي تشدد بل هو مقتضى الأدلة الصحيحة وقول الأئمة الأعلام ، فممن أنكر الاحتفال بالمولد : شيخ الاسلام ابن تيمية في ( فتاويه ) و ( اقتضاء الصراط المستقيم ) ، والإمام الشاطبي في ( الاعتصام ) ، وابن الحاج في ( المدخل ) ، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألف في إنكاره كتابا مستقلا ، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه ( صيانة الإنسان ) ، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة ، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، وغير هؤلاء كثير .
وإننا لنأسف أن تفهم من هذا أننا نقول : من يتبع قولنا مؤمن والباقي الله يعلم بحاله ، فإن هذا الفهم من أبعد ما يكون ، لأننا لم نقل أبدا ـ وكل من تتبع فتاوانا يعلم هذاـ أن من احتفل بالمولد خارج عن الإيمان، فإننا نعتقد اعتقادا جازما أن المؤمن غير معصوم فقد تصدر منه المخالفات والبدع عن جهل وحسن نية وقصد ، ولا يحول ذلك دون إنكارها عليه وتنبيهه عليها ، فإن هذا من حقه على إخوانه ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لغيرهم من الفرق الضالة .
وإننا لنحسب أن الذين يحتفلون بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم دافعهم إلى ذلك حبه ، ولكن الحب لا بد من لازمه من متابعة السنة وموافقة الشرع ، قال تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: 31 } ولذا قال بعض الحكماء : ليس الشأن أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب ، وفي هذا يقول الشاعر :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وراجع لزاما الفتوى رقم : 62785 .
والله نسأل أن يهدينا وإياك سبل الرشاد ، ويجنبنا البدع وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبي الهدى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
والله أعلم .