السؤال
استشارة فقهية
عائلة ترتزق من الحرام و تود أن تتوب إلى ربها و تعود إلى طريق الحلال
نرجوكم إيضاح هذا الأمر الذي يبدو معقدا بعض الشيء وشرح رأي الشرع فيه علّ الله يرحم هذه العائلة وجزاكم الله خيرا.
العائلة تتكون من أب وأم وثلاثة ذكور وثلاث إناث.
بعث الأب( معاق) مشروعا سنة 1980 لبيع الخمر واقترض لذلك مالا وكان له ابن صغير وقف معه منذ البداية ولا يتقاضى أجرا سوى مصاريف جيبه… ومند 1986 أصبح المتكلف الوحيد للحانة وأصبح الأب وبرضاه يتقاضى 1000د شهريا والأم 100د إلى حد 1993.
توفي الأب في 1994 عن عمر 75 سنة وتنازل كتابيا على إثر الوفاة الأختان عن مدخول الحانة بمقتضى إرادتهما إلا الأخت الثالثة فوقعت على حين غرة وتطالب بكل حقوقها،
بالنسبة للذكور فتخلوا منذ البداية عن الحانة (الابن الثاني والأكبر) لكن عاد الابن الأكبر بعد ذلك وبالتحديد منذ 1990 ليعمل بالحانة ليتقاضى 45د يوميا ما عدا يوم الراحة أي الجمعة إلى حد 2001.
عمل الابن الثاني أيضا بالحانة منذ 1993 مقابل 25د في اليوم إلى حد 1997 ومنذ هذا التاريخ حتى 2001 تقاضى 35د.
ومنذ التاريخ 2001 قسمت مداخيل الحانة على 4 حصص نصيب الأصغر المؤسس 50% (حصته وحصة أمه) ونصيب الأخ الثاني 25% والأخ الأكبر25% وكان ذلك عن طيب خاطر من الأخ الأصغر باعتبار أنهم تخلوا في البداية عن المشروع.
تجدر الإشارة إلى أن الابن الأصغر زوّج إخوته البنات بما قيمته 20 ألف دينار ثم إنه تحمل مصاريف خادمة أمه 50 دينارا شهريا مع المسكن والمأكل بنفس المنزل إلى جانب أنه أنفق مبلغ 12500ألف دينار على أمه مقابل خمس عمرات.
نعلم سيادتكم أن السنة التي توفي فيها الأب كان برصيد الابن الأصغر 80 ألف دينار ادخرها ما بين 1990 و 1994 بعلم أبيه ثم إنه يملك سيارتين الأولى قيمتها 11 ألف دينار والثانية 5 ألاف دينار كل ذلك في حياة الأب وبرضاه وقد منحه الأب أيضا منزلين قيمتهما 150 ألف دينار.
في سنة 1997 أصبح رصيده 360 ألف دينار وفي سنة 2004 بلغ 500 ألف دينار.
بالنسبة للأخ الثاني وكما سبق ذكره أصبح يتمتع منذ 2001 بــ 25% من مدخول الحانة علما أنه ورث من أبيه منزلا قيمته 30 ألف دينار.
في ما يخص الأخ الأكبر إلى جانب تمتعه بـ 25% منذ 2001 فقد استدان من أخيه الأصغر مبلغا قدره 50 ألف دينار لبناء منزل كلفته على الأقل 100 ألف دينار فيكون قد ساهم بـ 20 ألف دينار من ماله الخاص ويكون قد اختلس على الأقل 30 ألف دينار.
مع الملاحظة أن الأخت الكبرى اختلست من مال الأخ الأصغر 30ألف دينار.
قررت العائلة قطع هذا الرزق الحرام بإغلاق الحانة وفتح مشروع حلال كمطعم أو مقهى.
1- ما حكم الشرع في هذه الأموال أي هل يمكن استثمارها في مشروع حلال وكيف يكون ذلك إن سمح الشرع ؟
2- كيف تكون قسمة الأموال بين أفراد العائلة وما مدى مشروعية الأموال التي جمعها الابن الأصغر باعتباره المؤسس للحانة والعامل فيها والمسدد لديون أبيه التي بدأ بها المشروع والتي تعادل 10 ألاف دينار علما أن كل ما تمتع به أعطاه إياه أبوه بكامل الرضا ؟
و جزاكم الله كل خير
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمال الحرام إما أن يتعلق به حق الغير، فهذا يجب رده إلى صاحب الحق فورا وذلك كالمغصوب، ولا نعلم خلافا في ذلك، وإما ألا يتعلق به كما هو الحال هنا ، فمذهب جماهير العلماء هو وجوب التخلص من المال الحرام إذا لم يتعلق بعينه حق الغير، فإن تعلق به حق وكان صاحب الحق معلوما يمكن الوصول إليه وجب رده إليه، لا يجزئ المرء غير ذلك، وراجع الفتوى رقم: 665 والفتوى رقم: 11252 والفتوى رقم: 31434.
وذهب بعض العلماء إلى جواز الاحتفاظ ببعض المال الحرام اللازم لنفقة التائب مع وجوب التخلص من الزائد. قال الإمام النووي رحمه الله نقلا عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه ما نصه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضا فقير. اهـ.
قال النووي معلقا على قول الغزالي: وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه. اهـ.
وقال ابن رجب في القواعد وهو حنبلي: لا يجوز لمن هي في يده الأخذ منها على المنصوص، وخرج القاضي جواز الأكل له منها إذا كان فقيرا على الروايتين. اهـ.
وللفائدة، راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18275، 31434، 44435.
وذهب فريق ثالث إلى أن التائب الحائز للمال الحرام لا يجب عليه التخلص من شيء منه، إلا أنه يرد عين الحرام لأصحابه إذا علموا، ويحتفظ بجميع الباقي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والتوبة كالإسلام، فإن الذي قال: الإسلام يهدم ما كان قبله هو الذي قال: التوبة تهدم ما كان قبلها، وذلك في حديث واحد من رواية عمرو بن العاص. رواه أحمد ومسلم، فإذا كان العفو عن الكافر لأجل ما وجد من الإسلام الماحي والحسنات يذهبن السيئات، ولأن في عدم العفو تنفيرا عن الدخول، لما يلزم الداخل فيه من الآصار والأغلال الموضوعة على لسان هذا النبي فهذا المعنى موجود في التوبة عن الجهل والظلم، فإن الاعتراف بالحق والرجوع إليه حسنة يمحو الله بها السيئات، وفي عدم العفو تنفير عظيم عن التوبة وآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين. وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبدل لعبده التائب بدل كل سيئة حسنة على ظاهر قوله: يبدل الله سيئاتهم حسنات، فإذا كانت تلك التي تاب منها صارت حسنات لم يبق في حقه بعد التوبة سيئة أصلا فيصير ذلك القبض والعقد من باب المعفو عنه الرجعة ذلك الترك من باب المعفو عنه فلا يجعل تاركا لواجب ولا فاعلا لمحرم، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة. وقال: من لم يلتزم أداء الواجب وإن لم يكن كافرا في الباطن ففي إيجاب القضاء عليه تنفير عظيم عن التوبة، فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي، وقد لا يصوم أيضا ولا يبالي من أين كسب المال، أمن حلال أم من حرام، ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك، فهو في جاهلية، إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه فإن أوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات، وأمره برد جميع ما اكتسبه من الأموال، والخروج عما يحبه من الأبضاع صارت التوبة في حقه عذابا، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه، فإن توبته من الكفر رحمة وتوبته وهو مسلم عذاب. اهـ.
والذي نرجحه من ذلك والله أعلم هو أن تأخذوا من هذا المال ما يكفيكم وتتخلصوا من البقية، ويدخل في ذلك جميع ما تحصل لديكم من مال بسبب مشروعكم المذكور، وكفاية كل شخص تختلف باختلاف حاله وحال من يعول من حيث الحاجات الضرورية ونحو ذلك، وهذا الأمر يرجع في تقديره إلى الشخص نفسه، فكل امرئ أعلم بحاجته، والله نسأل أن يتوب عليكم وأن يتقبل منكم.
والله أعلم.