الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل هو وجوب لزوم المعتدة لمنزلها، وألا تخرج منه إلا لعذر، والظاهر أن تعذر استرداد تكاليف العمرة ليس عذرا مبيحا لخروج المعتدة، وسفرها للعمرة.
وبقاء عشرة أيام على انتهاء العدة، وبلوغ المعتدة (72) سنة لا أثر له في إباحة خروجها وسفرها.
وبيان ذلك:
أن الأصل عند عامة الفقهاء وجوب اعتداد المتوفى عنها زوجها في منزلها، وألا تخرج منه إلا لعذر.
جاء في «المغني» لابن قدامة: وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها: عمر، وعثمان، رضي الله عنهما. وروي ذلك عن ابن عمر، وابن مسعود، وأم سلمة.
وبه يقول مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، وإسحاق.
قال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار، بالحجاز، والشام، والعراق، ومصر.
وقال جابر بن زيد، والحسن، وعطاء: تعتد حيث شاءت. وروي ذلك عن علي، وابن عباس، وجابر، وعائشة، رضي الله عنهم.
قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت؛ لقول الله تعالى: {فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن}.
قال عطاء: ثم جاء الميراث، فنسخ السكنى، تعتد حيث شاءت. رواهما أبو داود.
ولنا: ما روت فريعة بنت مالك بن سنان، أخت أبي سعيد الخدري: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبُد له، فقتلوه بطرف القدوم، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركنى في مسكن يملكه، ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم". قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد، دعانى، أو أمر لي فدعيت له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت؟ " فرددت عليه القصة، فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، فلما كان عثمان بن عفان، أرسل إلي، فسألنى عن ذلك، فأخبرته فاتبعه، وقضى به. رواه مالك، في موطئه، والأثرم، وهو حديث صحيح، قضى به عثمان في جماعة الصحابة فلم ينكروه. اهـ.
ولا يجوز للمعتدة السفر للحج -ولو كان حج فريضة-، ومثله العمرة.
جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»:ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للمعتدة أن تنشئ سفرا قريبا كان هذا السفر أو بعيدا، بل يجب عليها أن تلزم بيت الزوجية الذي كانت تسكنه وإن كان هذا السفر لأجل الحج.
إلا أنهم اختلفوا فيما إذا خرجت ثم طرأت العدة هل عليها أن تعود لتعتد في بيتها، أم يجوز لها أن تمضي في سفرها؟ وهل السفر القريب في ذلك يختلف عن السفر البعيد.اهـ.
وأما الأعذار التي تسوغ للمعتدة الخروج من بيتها: فقد بينها النووي بقوله في روضة الطالبين: يجب على المعتدة ملازمة مسكن العدة، فلا تخرج إلا لضرورة أو عذر، فإن خرجت أثمت، وللزوج منعها، وكذا لوارثه عند موته، وتعذر في الخروج في مواضع؛ منها: إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق فلها الخروج، سواء فيه عدة الوفاة والطلاق، وكذا لو لم تكن الدار حصينة، وخافت لصوصا، أو كانت بين فسقة تخاف على نفسها، أو تتأذى من الجيران أو الأحماء تأذيا شديدا. اهـ.
والله أعلم.