الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه عدة أسئلة تتعلق بفقه الصيام وسنحاول الإجابة عليها في مسائل مرتبة بحسب ترتيب أسئلتك ليسهل عليك فهم المراد إن شاء الله تعالى:
1ـ تتابع قضاء الصيام غير واجب، لقول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ {البقرة:184}.
فعليك قضاء ما فرطت فيه من الصيام بحسب طاقتك وقدرتك، ولا يجب عليك تتابع القضاء ومواصلته، لكن تنبغي لك المبادرة إلى ذلك وعدم التراخي فيه، وانظر الفتويين رقم: 12324، ورقم: 24015.
2ـ من أفطر متعمدا في نهار رمضان بغير جماع لا تجب عليه الكفارة على الراجح خلافا للمالكية، لكنه ارتكب إثماً عظيماً، وأتى كبيرة من كبائر الذنوب بانتهاكه حرمة ركن من أركان الإسلام، فعليه التوبة إلى الله تعالى من ذلك، وقد بينا شروط التوبة في الفتوى رقم: 78925، فراجعها.
وبذا يتضح لك أن ما أفتى به الشيخ محمد العريفي في مقطع الفيديو الذي أوردت في السؤال صحيح موافق لما عليه الجمهور، كما سبقت الإشارة إليه في الفتويين رقم: 26114، ورقم: 163813.
3ـ ممارسة العادة السرية في نهار رمضان وفي غيره حرام، ومن فعل ذلك في نهار رمضان حتى أنزل فقد فَسَد صومه، ووجب عليه قضاء ذلك اليوم مع التوبة والاستغفار من ذلك، ولا تلزمه كفارة على الراجح من أقوال أهل العلم، كما بينا في الفتوى رقم: 10509.
4ـ الحالة التي يجب فيها قضاء يوم مع كفارة إطعام مسكين واحد موجودة في الفقه، ويسمي أهل العلم الكفارة في هذا النوع بالكفارة الصغرى، وبالفدية كذلك، وهي في الحقيقة واجبة في عدة حالات وليست حالة واحدة، كما ورد في سؤالك والحالات التي تجب فيها الكفارة الصغرى هي:
اـ المرأة الحامل إذا أفطرت في رمضان خوفا على جنينها فقط، فعليها الفدية مع القضاء، أما إن أفطرت خوفا على نفسها وجنينها، فلا فدية عليها، وإنما عليها القضاء فقط.
ب ـ المرضع إذا أفطرت خوفا على رضيعها، وحكمها في ذلك مثل حكم الحامل تماما.
ج ـ من عليه شيء من قضاء رمضان ولم يقضه حتى استهل رمضان الموالي مع قدرته على القضاء، وانظر الفتوى رقم: 60070، وما أحيل عليه فيها.
د ـ الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ويشق عليه مشقة شديدة يجوز له أن يفطر في رمضان, وإذا أفطر فعليه فدية وجوبا عند الجمهور، خلافا للمالكية والشافعية في قول، جاء في المغني لابن قدامة: الشيخ الكبير, والعجوز, إذا كان يجهدهما الصوم, ويشق عليهما مشقة شديدة, فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكينا، وهذا قول علي, وابن عباس وأبي هريرة, وأنس, وسعيد بن جبير, وطاوس, وأبي حنيفة, والثوري, والأوزاعي، وقال مالك: لا يجب عليه شيء، لأنه ترك الصوم لعجزه, فلم تجب فدية, كما لو تركه لمرض اتصل به الموت، وللشافعي قولان كالمذهبين. اهـ.
وورد في مختصر خليل بن إسحاق المالكي عطفا على مندوبات الصوم: وفدية لهَرِمٍ وعَطِشٍ ـ أي وندب فدية لهرم.. فجعلوها مندوبة غير واجبة.
5ـ من جامع في نهار رمضان غير عالم بأن ذلك يوجب عليه القضاء والكفارة معا، لكنه عالم بحرمة الجماع في نهار رمضان للصائم، فعليه الكفارة مع القضاء، أما إذا كان جاهلاً بالحكم من أصله بمعنى أنه لا يعلم حرمة الجماع في نهار رمضان فهو معذور بجهله، إذا لم يتمكن من تعلم الأحكام الشرعية، كمن هو حديث عهد بالإسلام ولا يزال في بلاد الكفر، أو من نشأ في بادية بعيدة، ونحوهما.. فلا قضاء ولا كفارة على من هذا حاله، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 24032.
6ـ لا بد أن ننبه السائل أولا قبل الدخول في الإجابة عليها إلى أن تعبيره عن الصوم الواجب في الكفارة بالقضاء في قوله: ومن عليه قضاء كثير من الكفارات: مثلا: 60 يوما قضاء مع كفارة ـ ليس مناسبا ثم نقول في جواب المسألة: كفارة الجماع في رمضان على الترتيب عند الجمهور، فيجب على من جامع أهله في نهار رمضان أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يقدر على ذلك فليصم شهرين متتابعين، فان عجز عن ذلك فليطعم ستين مسكيناً، ولا ينتقل من خطوة منها إلى الخطوة التي تليها إلا عند العجز عن السابقة، وبذا تعلم أنه لا يجوز لك الانتقال إلى الإطعام إلا بعد أن تعجز عن العتق والصيام، وبما أن العتق في هذا الزمان لم يعد متيسرا، فيجوز لك الانتقال إلى الصيام، فإن عجزت عنه عجزا دائما جاز لك الإطعام، وانظر الفتوى رقم: 1104.
وهذا بخلاف ما عليه المالكية، فهم يرون أن كفارة الصوم على التخيير وليست على الترتيب، ويرون كذلك أن الإطعام أفضل من الصيام والعتق لعموم نفعه، ويليه عندهم العتق لتعدي نفعه دون الصيام، قال خليل: وكفر إن تعمد بلا تأويل قريب وجهل في رمضان فقط جماعا، أو رفع نية نهارا..... بإطعام ستين مسكينا لكل مد, وهو الأفضل, أو صيام شهرين, أو عتق رقبة كالظهار. اهـ.
وقال محمد عليش المالكي: والظاهر أن العتق أفضل من الصوم لتعديه دون الصوم. اهـ.
7 ـ مقدار الكفارة في الإطعام إذا جاز لمن يكفر الانتقال إليه ـ لتعذر العتق وعدم القدرة على الصوم ـ هو إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من غالب قوت البلد، وقدره بحساب الكيلو 750 جراما تقريبا، والواجب إطعام الفقير أو دفع الطعام له، لا دفع قيمة الطعام، وقد ذهب أبو حنيفة إلى جواز إخراج القيمة في الكفارات والزكاة، ووافقه شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان في إخراج القيمة حاجة ومصلحة للمساكين، ومنعها في حال عدم وجود ذلك، كما فصلناه في الفتوى رقم: 241639.
وبالنسبة لسؤالك عن قيمة ذلك بالدرهم الإماراتي أو غيره، فلا نستطيع تحديده بشكل دقيق، ويمكنك الرجوع في ذلك إلى الجمعيات الخيرية الموثوق بها فهي أدرى بتقدير قيمة الطعام في كل بلد، وهذا أمر يختلف باختلاف البلدان كما هو معروف.
والله أعلم.