السؤال
يا شيخنا الفاضل أنا في منطقة ريفية، وأحكم بين الناس بشرع الله، وأنا طالب علم، وغالبا ما أختار الصلح بين الطرفين حتى لا تبقى ضغينة في النفوس. فحكمت في إحدى المرات بين جيران في أرض بالتراضي، وتنازل أحدهما عن جزء من الأرض؛ لأن الآخر ادعى أنه يبني عليها بيتا لأيتام، وخرجا من المجلس متراضيين متحابين. فجاءني في اليوم الثاني الذي تنازل عن جزء الأرض لجاره، وقال إخوتي غير راضين عن الحكم وهم معه في الأرض؛ لأنها مشاع لم تفرز بعد وإخوته أيتام. فطلب مني أن أعيد الأرض بعد أن شرع الآخر في تأسيس البناء، علما بأنني سألته قبل أن أقضي لهم: هل تملك القرار في التصرف؟ وأكدت عليه ذلك إن كان معك شركاء فشاورهم، ومع ذلك سكت ورضي، ثم عاد لينقض الحكم، فلم أجبه إلى طلبه. وقلت له: أنت تتحمل مسؤولية تصرفك من حصتك أنت وليس من حصة الأيتام؛ لأن ذلك غلط منك وقد صدر الحكم.
فهل أنا مصيب أم مخطئ بارك الله فيكم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوم به السائل هو ما يعرف في عند الفقهاء بالتحكيم.
جاء في (الموسوعة الفقهية): التحكيم: تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما. وفي مجلة الأحكام العدلية: التحكيم عبارة عن اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما. اهـ.
وإذا كان الحَكَم أو المُحكَّم أهلا للحكم صار حكمه ملزما كحكم القاضي.
جاء في (الموسوعة): متى أصدر الحكم حكمه، أصبح هذا الحكم ملزما للخصمين المتنازعين، وتعين إنفاذه دون أن يتوقف ذلك على رضا الخصمين، وعلى ذلك الفقهاء. وحكمه في ذلك كحكم القاضي. وليس للحكم أن يرجع عن حكمه، فلو رجع عن حكمه، وقضى للآخر لم يصح قضاؤه؛ لأن الحكومة قد تمت بالقضاء الأول، فكان القضاء الثاني باطلا. ولكن هذا الإلزام الذي يتصف به حكم الحكم ينحصر في الخصمين فقط، ولا يتعدى إلى غيرهما، ذلك لأنه صدر بحقهما عن ولاية شرعية نشأت من اتفاقهما على اختيار الحكم للحكم فيما بينهما من نزاع وخصومة. ولا ولاية لأي منهما على غيره، فلا يسري أثر حكم الحكم على غيرهما. اهـ.
وما دام الحال كما ذكِر في السؤال، فلا نرى بأسا في ما حكم به السائل، من إلزام هذا الرجل بتحمل أثر الحكم في حصته هو من الأرض، وليس من حصة الأيتام.
والله أعلم.