السؤال
لي صديق سبب لي الكثير من المشاكل, يفعل الكثير من الأشياء السخيفة لأهله على سبيل المزاح، يهرب من البيت ويخبرهم بأنني من حرضه على ذلك, ويتصل بوالده في عمله ليخبره أن جدته في حالة مرضية خطيرة ثم يخبره بأنه يمزح، وعندما يسألونه من أين أتيت بهذه الأفعال؟ يتهمني ظلما وزورا بأنني من حرضه, فقررت قطع صلتي به وأخبرت والدته بأنني عازم على هذا الأمر, فلم أعد أرد على هاتفه, فما كان منه إلا أن أفشى أسرار ائتمنته عليها لوالدتي التي كانت علاقتي بها سيئة، فازدادت سوءا, كنت في حالة غضب شديدة فطلبت من بعض الأصدقاء أن يخبروه أنني سأضربه, وبعدها قلت لهم إنني لن أقدم على هذا الفعل وأنني سأقاطعه إلى أن تقوم الساعة دفعا للمضرة فتوسط بعض الأصدقاء للصلح فقلت لهم إنني أتقبل اعتذاره ولكن لا يسألني أكثر من السلام، لأن صداقتنا لن تعود, فأرسل لي رسالة يخبرني بأنه لم يطلب صلحا، وسبني, واتهمني بأنني لا أصادقه إلا من أجل منصب والده ليتوسط لي لأحصل على وظيفة، ويشهد الله أن صداقتنا لم تقم لهذا السبب وأنه هو من قدمني لأهل بيته ولم أقم بالسعي إليهم مطلقا، فهل يجوز لي الدعاء عليه بأن ينتقم لي منه في دراسته وأهله وصحته وماله, نظرا لشعوري بظلم عظيم؟ وهل لي أن أدعو عليه بزوال منصب والده؟ وما جزائي عند ربي إن عفوت عنه؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العفو عن الظالم من أفضل المقامات، وانظر بخصوص فضل العفو الفتويين رقم: 54580 ، ورقم: 54408.
فإن اخترت أن تدعو على من ظلمك فلك ذلك، على ألا تتعدي، فلا تزد في الدعاء عليه على قدر مظلمته لك، قال القرافي في الفروق: وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم، فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فتكون جانياً عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى {البقرة:194} ولا تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى، ولا بالكفر صريحاً أو ضمناً. انتهى.
وقال الإمام أحمد: الدعاء قصاص.
وعلى ذلك، فلا نرى جواز الدعاء عليه بما ذكرت في سؤالك من الانتقام منه في صحته ودراسته، لأنه لم يسئ إليك فيما يتعلق بصحتك ولا بدراستك، فهو داخل ـ والله أعلم ـ في التعدي، وكذلك لا يجوز لك الدعاء على أهله ولا الدعاء على والده بزوال منصبه، حيث لم يسئ إليك أهله ولا والده، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وإنما يجوز لك أن تدعو عليه فقط بما يناسب مظلمته لك إن كنت لابد فاعلا، كأن تدعو عليه بمن يفعل به مثل ما فعل بك، ففي الفروع لابن مفلح الحنبلي: لو افترى عليه الكذب لم يكن له أن يفتري عليه الكذب، لكن له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه الكذب نظير ما افتراه وإن كان هذا الافتراء محرما, لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك لم يقبح منه ولا ظلم فيه, لأنه اعتدى بمثله, وأما من العبد فقبيح ليس له فعله. اهـ.
وإن عفوت عنه فهو أفضل ـ كما سبق ـ كما نوصيك بتحسين علاقتك بأمك، وانظر الفتويين رقم: 51928، ورقم: 112162.
والله أعلم.