السؤال
توفي والدي الحبيب ـ رحمه الله هو وسائر أمة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ـ منذ عام تقريبا ودائما أترحم عليه وأقرأ له الفاتحة وأحيانا سورة يس ولكن من كثرة الأقاويل والشيوخ على الفضائيات أحسست بحيرة فيما أقرؤه من أدعية وسور، فما هو الصحيح؟ وأي شيء يصل ثوابه أكثر للميت بخلاف الصدقة الجارية، أو التصدق على روحه من فترة لأخرى؟ وهل إذا حدثت لي مشكلة، أو تملكتني حالة نفسية جعلتني أنقطع عن الدعاء لوالدي الحبيب ـ رحمه الله ـ أكون حينئذ بنتا عاقة ويكون والدي غاضبا مني رغم أنه رحمه الله توفي وهو راض عني والحمد لله؟ وهل إذا اختلفت أنا وأشقائي حول توزيع الميراث وغضبوا مني وقاطعوني رغم أنني على حق بشهادة جميع الناس يكون والدي الحبيب أيضا غاضبا مني؟ أرجوكم أفيدوني لأنني معذبة بخصوص ذلك الموضوع، ولأنني أشعر بأبي الحبيب رحمه الله يأتيني في المنام إذا حدث لي مكروه وكأنه يأتي ليطمئن علي قبل الأحياء، وقبل اختلافي مع بعض إخوتي جاءني في المنام محاولا رفع جدار كاد يسقط علي من جراء عواصف رعدية وأمطار فرفع يديه إلى السقف محاولا رفع الجدار حتى لا يسقط علي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم والدكم ويحسن عزاءكم فيه، واعلمي أن من بر الوالدين بعد موتهما الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، وتنفيذ وصيتهما، والوفاء بعهدهما وصلة رحمهما وإكرام أصدقائهما.
فقد روى أبو داود وأحمد عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم
وفي صحيح مسلم وغيره مرفوعا: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي.
وقد روى البيهقي والبزار من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع للرجل الدرجة فيقول: رب أنى لي هذه الدرجة؟ فيقول: بدعاء ولدك لك. قال في المجمع: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة، وهو حسن الحديث.
وبهذا يعلم أهمية الدعاء للوالد والحرص على عدم حدوث المشاكل مع إخوتك الذين هم فلذات كبده.
وأما عن إهداء ثواب التلاوة له: فلا حرج فيها على الراجح ونرجو أن يصل ثوابها إليه ـ إن شاء الله ـ وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي، قال في الروض المربع: وأي قربة من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم، أو حي نفعه ذلك، قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه. اهـ.
ويحق للبنت أن تطالب بحقها في الميراث من تركة أبيها مع الاحترام لإخوانها، والتلطف بهم، فإن أصروا على التصرف معها بمنعها من نصيبها فإن ذلك لا يجوز لهم، لأن منع البنات من حقهن في ميراث أبيهن محرم، وقد قال الله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً { النساء:7}.
وقال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:11}.
فأبطل تلك العادة الجاهلية، قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير هذه الآية: فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث، وفاوت بين الصنفين، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. انتهى.
وقد توعد الله من يتعدى على حق الإناث والصغار في الإرث، فقال تعالى بعد آيات المواريث في سورة النساء: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء:13ـ14}.
وراجعي الفتوى رقم: 13699.
والله أعلم.