الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البر بالوالد المسيء لا يسقط بحال

السؤال

والدي ووالدتي منفصلان قبل أن أولد، ونشأتُ مع جدّي وجدّتي من أمّي، وعرفت والدي في سن السادسة، وكانت طريقته معي سباب ولعن وكلام بذيء عني وعن والدتي، وقليلًا ما كان يتصرّف معي بالحسنى، أو كما أمره الله، وكان يلمس جسدي بطريقة ليس كلمس الأب لابنته، وحاولت أن أتماسك وأتعامل معه بشكل سويّ رغم الإهانة، والضرب، والتحرّش، ولكني انفجرت منذ فترة قريبة نفسيًّا، وذهبت لطبيبة نفسية، ودخلت في اكتئاب، لكنه لم يطل -والحمد لله- لأني لم أعد أذهب له.
وحاليًّا عمل عملية بتر، وكنت معه فيها، ولكن ذلك كان قبل أن أذهب للطبيبة، ولكني لم أعد أذهب إليه، بل أرسل له رسائل، وهو لا يرد علي لأنه غضبان عليّ، وقلقي الوحيد أن أدخل النار بسببه، رغم وجعي وتعبي، فهل يجب أن أزوره رغم ما ذكرته؟ فأنا أخاف دخول النار بسبب عدم البر به، وأخاف غضب الله تعالى عليّ بسبب غضبه. أرجو الإفادة -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يشرح صدرك، ويزيل همّك، ويهديك لأرشد أمرك.

ونوصيك بكثرة ذكر الله تعالى، ودعائه؛ فإنّه من أعظم أسباب شرح الصدر، وطمأنينة القلب.

وإذا كان الحال كما ذكرت عن أبيك من الأفعال المسيئة، وخاصة التحرّش؛ فلا ريب في شناعة هذه الأفعال، وقبحها، ومخالفتها للشرع والفطرة، ونسأل الله أن يتوب عليه، ويهديه سواء السبيل.

لكن ذلك لا يُسقط حقّه عليك في المصاحبة بالمعروف، ولا يبيح لك قطعه؛ فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15}، وعقد البخاري في كتابه: "الأدب المفرد" بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ، وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.

فلا تقطعي أباك، وعليك زيارته -ولا سيما حال مرضه-، وصِلته بالقدر والكيفية التي لا تضرّك.

ومما يهون عليك مجاهدة نفسك على هذا الأمر أن تتفكّري في عظيم الأجر على هذا العمل؛ فبرّ الوالدين من أفضل الأعمال، وأحبّها إلى الله، وخاصة إذا كان فيه مشقة، ومخالفة لهوى النفس؛ فأبشري بثمرة هذا البِرّ في الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني