الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن الكفارة لا تجب ـ على الراجح ـ إلا في الفطر بالجماع، وأما الفطر بغير الجماع فإنما يوجب القضاء دون الكفارة، وانظر الفتوى رقم: 111609.
والاستمناء في نهار الصوم مفطر وموجب للقضاء ـ إن كان الصوم واجبا ـ وانظر الفتوى رقم: 113612.
وصوم النفل لا يوجب إفساده الكفارة عند أحد من العلماء، وإنما اختلفوا هل يجب قضاؤه على من أفسده بعد الشروع فيه أو لا يجب؟ قال ابن قدامة: من دخل في صيام تطوع استحب له إتمامه ولم يجب، فإن خرج منه فلا قضاء عليه، روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما أصبحا صائمين ثم أفطرا.
وقال ابن عمر: لا بأس به ما لم يكن نذرا، أو قضاء رمضان.
وقال ابن عباس: إذا صام الرجل تطوعا ثم شاء أن يقطعه قطعه، وإذا دخل في صلاة تطوعا ثم شاء أن يقطعها قطعها.
وقال ابن مسعود: متى أصبحت تريد الصوم فأنت على آخر النظرين ـ إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت ـ فهذا مذهب أحمد والثوري والشافعي وإسحاق.
وقال النخعي وأبو حنيفة ومالك: يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا بعذر، فإن خرج قضى، وعن مالك لا قضاء عليه.
ولنا ما روى مسلم و أبو داود و النسائي: عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فقال هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال: فإني صائم، ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس فخبأت له منه ـ وكان يحب الحيس ـ قلت: يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه ثم قال لنا: إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها.
هذا لفظ رواية النسائي.
انتهى مختصرا.
فمن لزمه قضاء أيام أفسدها فعليه أن يبادر بذلك، وإن جهل عدد تلك الأيام فليقض ما يحصل به اليقين، أو غلبة الظن ببراءة ذمته ولا يكلف غير هذا، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، فإذا فعل ما يقدر عليه من التحري برئت ذمته، وراجع الفتوى رقم: 70806.
وإن مات في أثناء القضاء بعد توبته لم يكن مؤاخذا، إذ قد فعل ما يقدر عليه، وعلى ورثته أن يطعموا مسكينا عن كل يوم بقي في ذمته من تركته، وإن شاءوا صاموا عنه، وانظر الفتوى رقم: 111829.
وأما من وجبت عليه الكفارة لكونه أفطر في رمضان بالجماع: فإنه إن عجز عن عتق الرقبة وجب عليه صيام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينا ـ لكل مسكين مد من طعام ـ فإن عجز فقد اختلف العلماء هل تسقط عنه الكفارة، أو تستقر في ذمته؟ قال الحافظ في الفتح: دل - أي حديث المجامع في نهار رمضان - على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها، لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره، وهو أحد قولي الشافعية وجزم به عيسى ابن دينار من المالكية.
وقال الأوزاعي: يستغفر الله ولا يعود.
ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها، وهو هلال الفطر، لكن الفرق بينهما أن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة، وليس في الخبر ما يدل على إسقاطها، بل فيه ما يدل على استمرارها على العاجز، وقال الجمهور: لا تسقط الكفارة بالإعسار.
انتهى.
ويعمل فيما يلزمه من الكفارات إن جهل عددها ـ كما قلنا في القضاء بالتحري ـ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
{التغابن: 16}.
وإن مات وهو مشتغل بإبراء ذمته غير مقصر في ذلك كان معذورا عند الله تعالى على ما مر إيضاحه، ويخرج ما بقي عليه من كفارات من تركته إن كانت له تركة، وإلا كان لإوليائه أن يصوموا عنه ـ كما تقدم.
والله أعلم.