السؤال
من فضلكم الرجاء إفتائي في الأمرين التاليين:1ـ لقد اشتغلت في البنوك مدة سنتين، وجمعت مبلغا من المال، فهل يعتبر هذا المبلغ حراما؟ مع أن جزءا من هذا المبلغ كان عبارة عن مكافأة نهاية تدريب لمدة 6 أشهر في بنك فرنسي في إطار الدراسة، ولم أعلم بأن الاشتغال في البنوك حرام إلا أثناء فترة التدريب، والجزء الآخر جمعته أثناء عملي في بنك في المغرب، مع العلم أن جميع البنوك هنا وأغلب التعاملات التجارية ربوية، وفي البداية لم أرد الاشتغال في هذا القطاع، ولكن ضعفت أمام ما كان يقوله الناس لي بأن لا مسؤولية علي في ذلك، فاقتنعت بأن أشتغل في مصلحة لا تبيع القروض للناس، وعلى هذا الأساس اشتغلت في مصلحة دراسة الوضعية المالية لشركات الزبائن، ولكن عندما علمت أن الله يلعن حتى كاتب الربا أدركت أن عملي حرام، فتضايقت ودعوت الله ـ رغم أنني لم أكن أصلي ـ أن يرزقني عملا في قطاع آخر، وهذا ما حصل ـ والحمد لله ـ والآن وقد تبت إلى الله، وأسأل الله أن يتقبل توبتي. أريد أن أعرف ما حكم المال الذي بحوزتي؟ خاصة أنني مقبل ـ إن شاء الله ـ على الزواج ولا أريد أن يكون بمال حرام.
2ـ أشتغل الآن في مصلحة تسيير مخاطر العملاء في شركة، وعملي يتمحور حول: دراسة وتتبع الصحة المالية للموزعين ـ ودراسة ديون الشركة وما يجب أن يؤديه العملاء للشركة، والبحث عن حلول تحمي مصالح الشركة عند تعثر أحد الموزعين، ونادرا تحديد وضعية ديون عميل، وهناك موزعان اثنان تمت إعادة جدولة ديونهما باحتساب الفوائد قبل مجيئي إلى الشركة، فهل عملي يعتبر حراما؟. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة والإنابة إليه، ووفقك لإقام الصلاة وترك العمل الحرام، ونسأله سبحانه أن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك للإيمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأما ما سألت عنه فجوابه نجمله في نقاط هي:
أولا: إن أعظم الذنوب التي اقترفتها ـ فيما ذكرت ـ ترك الصلاة والتهاون بها، لأن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والتهاون بها والتكاسل عن أدائها من سيما المنافقين، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر تارك الصلاة كسلا، وفي حديث جابر ـ رضي الله عنه: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة. رواه مسلم.
ومن تركها لزمه قضاء ما تركه منها، كما بينا في الفتويين رقم: 512، ورقم: 3146
ثانيا: أن ما جمعته من مال في عملك مع البنوك الربوية أو التدرب فيها على العمل لديها قبل معرفتك بحرمة ذلك والتوبة منه يجوز لك الانتفاع به، وأما ما كسبته منها بعد معرفتك لحرمة العمل في البنوك الربوية فيلزمك التخلص منه وصرفه في مصالح المسلمين، جاء في الاختيارات لابن تيمية ـ رحمه الله ـ ما يلي: ومن كسب مالا حراما برضاء الدافع ثم تاب ـ كثمن الخمر ومهر البغي وحلوان الكاهن ـ فالذي يتلخص من كلام أبي العباس: أن القابض إن لم يعلم التحريم ثم علم جاز له أكله، وإن علم التحريم أولا ثم تاب، فإنه يتصدق به.
وإن كنت لا تعلم قدر ما كسبته بعد معرفة لحرمة ذلك العمل، فعليك أن تحتاط في ذلك بما يبرئ ذمتك، قال ابن تيمية في الفتاوى: المال المأخوذ بوجه محرم إذا خلط بمال حلال فالواجب أن يخرج من ذلك القدر المحرم، وقدر ماله حلال له. اهـ
قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 366): "قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ سَبِيلَ التَّوْبَةِ مِمَّا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْحَرَامِ إِنْ كَانَتْ مِنْ رِبًا فليردها على من أربى عليه، ومطلبه إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِذَلِكَ عَنْهُ. وَإِنْ أَخَذَهُ بِظُلْمٍ فَلْيَفْعَلْ كَذَلِكَ فِي أَمْرِ مَنْ ظَلَمَهُ. فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَدْرِ كَمِ الْحَرَامُ مِنَ الْحَلَالِ مِمَّا بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى قَدْرَ مَا بِيَدِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّ مَا يَبْقَى قَدْ خَلَصَ لَهُ فَيَرُدُّهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَزَالَ عَنْ يَدِهِ إِلَى مَنْ عُرِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ أَوْ أَرْبَى عَلَيْهِ. فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ." انتهى
ثالثا: عملك في الشركة المذكورة لا حرج فيه ما دامت تتلزم بالضوابط الشرعية في معاملاتها وليست قائمة على الأمور المحرمة، وما حدث قبلك من مخالفات في الشركة أو في عهدك ولا علاقة لك به، لا يؤثر على عملك فيها، لكن ينبغي لك نصح المسؤولين إن وقعت منهم مخالفة شرعية ـ كوضع فائدة ربوية على الديون عند جدولتها، أو إلزام المتعثر فيه بالسداد بغرامة مالية ونحو ذلك من المخالفات التي تحدث غالبا في الشركات والمؤسسات المالية ـ وللفائدة انظر الفتويين التاليتين: 34865 60002.
والله أعلم.