الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يجب رد المال لوالد صديقك

السؤال

إخواني قبل كل شيء اسمحوا لي أن أعبر لكم عن مدى شكري واحترامي لكم وتقدير جهودكم، فأسأل الله العلي القدير أن يجعل عملكم هذا في ميزان أعمالكم يوم القيامة. آمين.
سؤالي هو كالتالي: أنا شاب متدين وأحفظ القرآن وأحافظ على الصلوات، وأحرص على فعل الخيرات والحمد لله لكن تعرفت منذ مدة 9 سنوات تقريبا على رجل فأصبحنا نلتقي يوميا حتى أصبح حميما تقريبا فعرفني على شخص وتبادلنا التعارف بيني وبينه كذلك، لكن وللأسف وقعت في مشكلة عويصة صدقوني يكاد قلبي أن يخرج من صدري عندما أتذكر ما قدمت يداي، بدأ الصديق الأول يراودني بشأن صدقه حيث قال لي إنه يملك المال الكثير بالعملة الصعبة وهذا المال هو مال والده كتب له وكالة بحيث يستطيع أن يخرج له ماله من البنك نيابة عنه لأن مسكنه بعيد، لكن هذا الرجل عندما يقوم بإخراج المال لا يعطي شيئا لوالده بل يأخذه كليا وأبوه شيخ طاعن في السن، فقال لي صديقي سنقوم بوضع حيلة لأخذ بعض ماله لأنه سارق أبيه فقال لي سنخبره بأنه توجد امرأة لها مال كثير وهي ثرية وعزباء ولها مسكن بأمريكا ومعامل إلى آخر ذلك، لكن الأمر الذي أرعبني كثيرا أنه صدق كل شيء لأنه يثق بي أنا، فبدأنا أخذ ماله تقريبا كل أسبوعين، وفي كل مرة نقول له هذه حقوق المكتب و حقوق الإقامة في أمريكا، المهم حتى أصبح المال ضخما،صدقوني كنت آخذ المال وفي نفس الوقت كنت أنوي إرجاعه، وفي نفس الوقت كنت أعلم بأنه أكل أموال الناس بالباطل حتى أني في بعض المرات قلت له بإذن الله سأرجع لك مالك هذا، وأنا عندما كنت آخذ منه المال كنت في حاجة إليه فضعف إيماني ووسوس لي شيطاني فوقعت في هذا المأزق الذي أنا فيه. فأرجوكم أن تجيبوني عن كل سؤال طيب هل إذا أنعم الله علي ورزقني بالمال أرجع ما كنت آخد أنا فقط وصديقي يرجع البعض أم أرجع كل المال لأننا كنا نتقاسم المال إذا أخذنه من هذا الرجل، مع العلم أني أخبرت صديقي بأننا كنا مخطئين والواجب علينا أن نرجع له ماله لكنه أبى؟ طيب وفي حالة موت هذا الرجل كيف أقوم بإرجاع ماله هل أتصدق به وأنوي أجر هذا المال له أم أعطيه لأبيه لأنه صاحب المال الحقيقي، وهل إذا أكلت من هذا المال أكون داخلا في قول النبي عليه الصلاة والسلام كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به؟ وأنا يا إخوتي تبت والحمد لله فالرجاء كل الرجاء ساعدوني لم يهنأ لي بال أبدا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك ويغفر ذنبك، وأن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك، فلا شك أن ما فعلته أكل للمال بالباطل، ويجب عليك أن تجتهد في تحقيق توبة نصوح جامعة لشروط قبولها، من الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته، والعزم الصادق على عدم العودة إليها أبدا، مع رد المظالم إلى أهلها والحقوق لأصحابها.

ولا يخفى أن صديقك الذي شاركك في أكل هذا المال بالباطل، إن أبى التوبة ورفض رد الحق لصاحبه، فإنه يلزمك أنت أن ترد الجميع، ثم ترجع بعد ذلك على صديقك بحصته منه، فالشركاء في السرقة يعتبرون حملاء بعضهم عن بعض، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 79220 . ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتويين: 5450 ، 29785.

وهذا المال المسؤول عنه، إن كنت على يقين أنه ملك لوالد صديقك، وأن صديقك أخذه منه دون وجه حق، فرده للوالد، ففي ذلك نصرة له ولابنه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره. رواه البخاري.

فإن مات هذا الوالد قبل أن ترد إليه حقه، فرده إلى ورثته جميعا. فإن ماتوا جميعا قبل أن ترد ما عليك ثم تيسر بعد ذلك فتصدق به باسم أصحابه.

ولينتبه السائل الكريم إلى أن توبته وإن كان لا بد فيها من رد الحقوق لأصحابها، لكن ليس معنى ذلك أنه إن عجز عن الأداء يمنع من التوبة، بل يبقى ذلك في حكم الدَّين في ذمته يؤديه بقدر طاقته وإذا لم يستطع فعليه أن يستحل أصحابه منه، ويكفيه عندئذ ليصدق في توبته أن يعزم عزما أكيدا أنه إن يسر الله له سبيلا في المستقبل لرد ما عليه فإنه لن يقصر في ذلك، مع كثرة الدعاء والاستغفار لنفسه ولذوي الحقوق عليه. وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 122402، 3051 .

وأما السؤال عن آكل هذا المال، هل يدخل في قول النبي عليه الصلاة والسلام: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به.؟ فالجواب أن هذا الوعيد إنما يتأتى في حق من لم يتب، وأما من تاب توبة صحيحة مقبولة، فإن التوبة تَجبُّ ما قبلها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني