الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك ويغفر ذنبك، وأن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك، فلا شك أن ما فعلته أكل للمال بالباطل، ويجب عليك أن تجتهد في تحقيق توبة نصوح جامعة لشروط قبولها، من الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته، والعزم الصادق على عدم العودة إليها أبدا، مع رد المظالم إلى أهلها والحقوق لأصحابها.
ولا يخفى أن صديقك الذي شاركك في أكل هذا المال بالباطل، إن أبى التوبة ورفض رد الحق لصاحبه، فإنه يلزمك أنت أن ترد الجميع، ثم ترجع بعد ذلك على صديقك بحصته منه، فالشركاء في السرقة يعتبرون حملاء بعضهم عن بعض، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 79220 . ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتويين: 5450 ، 29785.
وهذا المال المسؤول عنه، إن كنت على يقين أنه ملك لوالد صديقك، وأن صديقك أخذه منه دون وجه حق، فرده للوالد، ففي ذلك نصرة له ولابنه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره. رواه البخاري.
فإن مات هذا الوالد قبل أن ترد إليه حقه، فرده إلى ورثته جميعا. فإن ماتوا جميعا قبل أن ترد ما عليك ثم تيسر بعد ذلك فتصدق به باسم أصحابه.
ولينتبه السائل الكريم إلى أن توبته وإن كان لا بد فيها من رد الحقوق لأصحابها، لكن ليس معنى ذلك أنه إن عجز عن الأداء يمنع من التوبة، بل يبقى ذلك في حكم الدَّين في ذمته يؤديه بقدر طاقته وإذا لم يستطع فعليه أن يستحل أصحابه منه، ويكفيه عندئذ ليصدق في توبته أن يعزم عزما أكيدا أنه إن يسر الله له سبيلا في المستقبل لرد ما عليه فإنه لن يقصر في ذلك، مع كثرة الدعاء والاستغفار لنفسه ولذوي الحقوق عليه. وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 122402، 3051 .
وأما السؤال عن آكل هذا المال، هل يدخل في قول النبي عليه الصلاة والسلام: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به.؟ فالجواب أن هذا الوعيد إنما يتأتى في حق من لم يتب، وأما من تاب توبة صحيحة مقبولة، فإن التوبة تَجبُّ ما قبلها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.