السؤال
إذا كنت أقلد المذهب المالكي في الصلاة وأخطأت في صلاتي فجئت بما يبطلها عن جهل. هل يمكنني اتباع حكم مذهب آخر إذا كان أيسر؟
إذا كنت أقلد المذهب المالكي في الصلاة وأخطأت في صلاتي فجئت بما يبطلها عن جهل. هل يمكنني اتباع حكم مذهب آخر إذا كان أيسر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك هاهنا إلى أمر مهم، وهو أنه لا حرج عليك في اتباع مذهب مالك رحمه الله، فإنه أحد المذاهب الأربعة المتبوعة، وقد كان مالك رحمه الله نجم السنن، وكان من أكثر أهل عصره عناية بالحديث، وتعظيماً للأثر، والثناء عليه وعلى علمه وورعه متواتر، وانظري الفتوى رقم: 31408.
وإذا ظهر لك دليلٌ يخالف المذهب تعين المصيرُ إليه، فإن اتباع الدليل هو الواجب على كل مسلم، ثم إذا أردت الانتقال عن مذهب مالك إلى غيره فلا حرج في ذلك أيضا بشرط ألا تقصدي بذلك تتبع الرخص، وقد بينا حكم الانتقال من مذهب معين إلى غيره في الفتوى رقم: 56633.
وأما حكم المسألة : فإنكِ لم تبيني لنا هذا المبطل للصلاة الذي أتيتِ به عن جهل ، حتى نبين لك ما هو الراجح عندنا فيما يلزمك، فعليك إن أردت التفصيل أن تبيني ما فعلته مما ذكرت أنه يبطل الصلاة، فقد لا يكون مبطلا لها، وأنت تعتقدينه مبطلا، وقد يكون مبطلا عند مالك لا عند غيره، ويكون الراجح في الدليل عندنا خلاف قول مالك، وقد يكون متفقا على أنه مبطل للصلاة .
ولكننا نقول على وجه الإجمال إن العلماء اختلفوا فيمن فعل مبطلا من مبطلات الصلاة أو غيرها جاهلاً ثم بان له أنه مما يُبطلها، فذهب بعضهم إلى لزوم الإعادة وهم الجمهور، وذهب بعضهم إلى عدم لزومها وهو راويةٌ في مذهب أحمد ومالك قواها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال رحمه الله: وعن أحمد فى هذا الأصل روايتان منصوصتان فيمن صلى فى معاطن الإبل ولم يكن علم بالنهى ثم علم هل يعيد على روايتين، ومن صلى ولم يتوضأ من لحوم الإبل ولم يكن علم بالنهي ثم علم هل يعيد على روايتين منصوصتين، وقيل عليه الإعادة إذا ترك الصلاة جاهلا بوجوبها فى دار الإسلام دون دار الحرب وهو المشهور من مذهب أبى حنيفة. انتهى.
ثم أطال النفس رحمه الله في الانتصار للقول بعدم لزوم الإعادة، واحتج عليه بحديث المسيء صلاته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء ما مضى من صلواتٍ قصّر في أركانها، وبغيره من الأحاديث التي هي في معناه. وانظري الفتوى رقم: 109981. ولم يفرق بين ما كان متفقاً عليه أو مختلفا فيه من المسائل، ولا شك في أن هذا القول له قوة واتجاه ، وما كان مختلفاً فيه من المسائل، أولى أن يُعذر فيه الجاهل، فيُفتى بالقول المرجوح دفعاً للمشقة والحرج، وقد نص على ذلك كثيرٌ من أهل العلم.
قال الشاطبي رحمه الله: فمن واقع منهيا عنه، فقد يكون فيما يترتب عليه من الأحكام زائد على ما ينبغي بحكم التبعية لا بحكم الأصالة، أو مؤد إلى أمر أشد عليه من مقتضى النهي، فيترك وما فعل من ذلك، أو نجيز ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل، نظرًا إلى أن ذلك الواقع وافق المكلف فيه دليلًا على الجملة، وإن كان مرجوحًا، فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأن ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهي، فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن به من القرائن المرجحة. انتهى.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: المسألة الخلافية إذا وقعت فيها الضرورة....جاز للمفتي أن يأخذ بالقول الآخر من أقوال أهل العلم الذي فيه الرخصة. انتهى .
وبهذا تعلمين أنك إذا كنت فعلتِ مبطلا من مبطلات الصلاة جاهلة بكونه يبطلها، كأن تركتِ ركناً من أركانها، أو شرطاً من شروطها، أو ارتكبت محظوراً فيها ثم تبين لكِ كونه يبطلها، إما في نفس الأمر لموافقة الدليل، أو كان يبطلها على قول من تقلدينه من العلماء، وكان في المسألة خلافٌ بين أهل العلم، ومذهبُ بعضهم أن هذا الشيء الذي فعلته غيرُ مبطل، فلا حرج عليكِ في العمل بهذا القول المرجوح، والذي قال به بعض أهل العلم لما تقدم. وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 117091 .
وإن أردتِ القضاء احتياطاً خروجاً من الخلاف فهذا حسنٌ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني