السؤال
أبي أجبرني على السفر لقطر عند إخوتي لأخفف عليه العبْء المادي، فلم أصر على رفض السفر، وأنا لست متزوجة، ورضيت بالأمر من باب بر الوالدين، ومن باب الحصول على مال لعمل مشروع خاص بي، ولكن عندما أتيت إلي قطر أشعر بفقداني لنفسي، وفي معظم الأوقات تأتيني مغريات كثيرة، وهاجس عدم ارتباطي يؤرقني كثيراً مما دفعني للمحادثة عبر الهاتف مع شبان، أحدهم كان جادا معي، ولكن وجدته غير مناسب، والآخر كان يتسلى، هذه الواقعة وغيرها في العمل والحياة عموماً جعلتني أشعر من داخلي بكره أبي فنشأت لدي رغبة في عدم سماع صوته أو حتي رؤيته، هذا وأشعر أن هذا الكره لأبي هو سبب عدم ارتباطي حتى الآن، وسبب تذبذب علاقتي بربي. إذا كنت فهمت رسالتي أرجو الإجابة عنها. هل أبي عاق لي أم أنا التي أصبحت عاقة له بكرهي هذا أفيدوني؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن نفقة البنت التي لا مال لها وليست بذات زوج واجبة على أبيها إن كانت له سعة بنفقتها، وعلى هذا فالواجب على والدك أن ينفق عليك حسب وسعه، لا أن يلزمك بالسفر للإقامة مع إخوتك أو البحث عن عمل، وإذا كنت متضررة بالإقامة في البلد الذي أنت فيه الآن فحاولي إقناع أبيك بأن يسمح لك بالعودة للإقامة عنده، وإذا كان عاجزا عن الإنفاق عليك فيجب على إخوتك أن ينفقوا عليك، ولا شك أن هذا لا يستلزم إقامتك معهم في الغربة. وإذا لم يسمح لك أبوك بالعودة فلا تلزم طاعته في ذلك، فالطاعة إنما تكون في المعروف، وليس من المعروف أن يلزم الرجل ابنته بما فيه ضرر عليها. وينبغي أن تتحري الحكمة في معالجة الأمر مع أبيك.
وأما قيامك بمحادثة بعض الشباب من خلال الإنترنت فأمر لا يجوز، كما بينا بالفتوى رقم: 30003.
فالواجب عليك التوبة، وقطع العلاقة مع أي رجل أجنبي عنك، ولو أمكن أن يوجد رجل صالح يتزوج منك فهذا أمر حسن، وقد يكون في هذا حل لمشكلتك، ويمكنك أن تستعيني في ذلك بإخوتك أو زوجات إخوتك إن كانوا متزوجين.
ويجب أن تكوني على حذر من أن يقع منك أي نوع من الإساءة ولو دقت تجاه أبيك، لأن في ذلك عقوقه، وإذا أساء إليك فلا يجوز لك الإساءة إليه، بل حقه البر به على كل حال، وانظري الفتوى رقم: 74845.
وإساءة الولد إلى والده تسمى عقوقا شرعا، وأما إساءة الوالد إلى ولده فلم نجد دليلا صحيحا يفيد بأنها تسمى عقوقا، ولكن قد ذكر بعض العلماء أثرا عن عمر رضي الله عنه فلو ثبت كان فيه ما يفيد أن ذلك يسمى عقوقا، ومفاد هذه القصة أنه: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين أشكو إليك عقوق ولدي، فقال: ائتنى به، فجاء الولد إلى عمر ، فقال عمر: لم تعق أباك؟ فقال الولد: يا أمير المؤمنين ما هو حقي على والدي؟ فقال عمر: حقك عليه أن يحسن اختيار أمك، وأن يحسن اختيار اسمك، وأن يعلمك القرآن. فقال الولد: والله ما فعل أبي شيئا من ذلك، فالتفت عمر إلى الوالد وقال: انطلق، لقد عققت ولدك قبل أن يعقك. ولم نجد أحدا تعرض لبيان صحة هذا الأثر من ضعفه.
ومجرد ما يرد على القلب من كره الولد للأب مما لا إرادة له فيه فلا يؤاخذ به الإنسان كما تقدم البيان بالفتوى رقم: 23716.
وإعراض الخطاب عنك قد يكون بسبب معصية وقعت منك عقوقا أم غيره، فالمعاصي قد تكون سببا في حرمان الإنسان من الخير، وقد لا يكون الأمر بسبب معصية، بل لمجرد الابتلاء.
والله أعلم.