السؤال
مشكلتي تتلخص في أن زوجي له أخ يصغره، زوجته أشعر دائما منها ناحيتي بالغيرة، وأحيانا بالحقد وتعمد الإهمال، ربما لاختلاف مستوانا العلمي أو المادي، لا أدري مع أن الفارق ليس بكبير، وبرغم أني أعامل الناس بتواضع، ولا أحد يكرهني ولله الحمد، ولكن العلاقة فيما بيننا جافة تماما حتى إنها لم تحضر كتب كتابي أو أي فرد من عائلتها بحجة أنهم لديهم فرح آخر في مكان آخر، وكل المناسبات لا تهتم بالسؤال عني، ولو أرسلت لي رسالة تكون كل عام وأنتم بخير بالرغم من أني دائما أهنئها بكل المناسبات حتى البسيط منها، ولو كان نجاح إحدى أخواتها، ولا تعزيني في وفاة أقربائي، حتى إنها تحاول أن ترى ما عندي وتزيد عنه كلما استطاعت، وذلك حدث وقت شراء أثاث البيت حتى عندما سافر زوجي أو عندما أسافر، لا تتكلف حتى مشقة المجيئ للسلام علي، ودائما عندها حجة أمام الناس، فهي الملاك الذي لا يفوته فائتة، وتحاول التحدث معي في كل شيء أمام حماتي أو حمايا. المشكلة أنني أصبحت أشعر فيها بهذا الخبث، ولا أتقبل منها أي شيء حتى لو قالته أشعر أنه من وراء قلبها، والله اعلم، فأصبحت أكرهها ولا أطيق أن أسمع أي أخبار عنها، وأصبحت غير قادرة على معاملتها كالسابق، فأصبحت أنا الأخرى لا أسأل عنها ولا أجاملها عن قصد مني، وإن اضطررت لذلك فعلته على مضض، حتى زوجي يلومني على هذا الإحساس، ويقول لي إن ذلك سيفرق بينه وبين أخيه ودائما يطلب منى أن أكون أكرم، لكن بعد العديد من المواقف التي حدثت، وكلها تعنى الإهمال أو اللامبالاة فكيف لي أن أعاملها مثل السابق، فأصبحت بحكم سفري لا أحدثها في أي شيء إلا أمامهم. أما غير ذلك فلا، وعند مقابلتنا يكون الحديث حياديا جدا يخلو من الألفة المفترض تواجدها حتى أنه عندما حملت هي مع أني حامل بالفعل لم أسعد بذلك وألوم نفسي كثيرا على هذا الشعور، وعندما تحدثت إليها بعد هذا الخبر وجدتها تقول لي( أنتم السابقون ونحن اللاحقون ) دائما حديثها فيه منافسة هكذا، وكأنها تلهث ورائي دائما، أعلم أنني أولى أن أسامحها لكن نفسي لا تستطيع فكيف أتعامل معها ؟ وهل على ذنب لعدم فرحتي لأفراحها ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب إحسان الظن بالمسلمين، وحمل ما يظهر من أقوالهم وأفعالهم على أحسن الوجوه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.. {الحجرات 12}.
والأصل أننا نأخذ الناس بظواهرهم، ونكل سرائرهم إلى الله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. متفق عليه.
أمّا عن سؤالك، فما ذكرت عن هذه المرأة لا يظهر أنّ فيه إساءة إليك، وليس فيه ما يدعو للتباغض والتدابر، وما تجدينه في صدرك نحوها إنما هو من نزغات الشيطان، فاعلمي أن من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع العداوة بين المسلمين وحصول التدابر والتباغض بينهم، ولذلك أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:53}
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والتباغض، فعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. رواه مسلم.
أمّا عن كونك لا تفرحين لفرحها، فليس عليك في ذلك ذنب، لكن من كمال الإيمان أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه.
والذي ينبغي عليك أن تستعيذي بالله من نزغات الشيطان، وتحسني الظن بها وتعامليها بالمعروف، ومن أنفع ما يعينك على التخلص مّما تجدينه نحوها ألا تستسلمي لما يلقيه الشيطان في قلبك نحوها، وكلما وسوس لك الشيطان بسوء نحوها فقابلي ذلك بالدعاء لها بخير، فإن ذلك بإذن الله يردّ كيد الشيطان، كما أن عليك بمبادرتها بالكلام الطّيب ولو كان ذلك تكلفاً، قال الغزالي: بل المجاملة تكلّفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقلّل مرغوبها وتعوّد القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض. اهـ من إحياء علوم الدين
كما ننبه إلى أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يوجد المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت: 34}
والله أعلم.