السؤال
هل يعاقب الله الإنسان بما يقترف من ذنوب وذلك بعد أن يستغفر ويتوب؟ وهل كلما حدث مكروه لي أو شيء لا أحبه أقول: إنه بسبب الذنوب؟
أرجو الإجابة.
هل يعاقب الله الإنسان بما يقترف من ذنوب وذلك بعد أن يستغفر ويتوب؟ وهل كلما حدث مكروه لي أو شيء لا أحبه أقول: إنه بسبب الذنوب؟
أرجو الإجابة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق وأن يغفر لك وأن يتوب عليك وأن يجعلك من عباده الصالحين ومن أوليائه المقربين، وأن يجعلك من الشباب الذين يظلهم ربنا بظله يوم لا ظل إلا ظله، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك، فإن الذنوب تنقسم إلى قسمين: قسم في حق الله تبارك وتعالى، وقسم في حق عباده، أما الذنوب التي في حق الله تبارك وتعالى فإن العبد إذا تاب منها توبة نصوحاً فإن الله تبارك وتعالى يتوب عليه ويغفرها له ولا يكون لها أثر رجعي في حياته - بإذن الله تعالى – بمعنى أنه إذا كان إنسان لا يصلي ثم بدأ يصلي فإنه يجتهد في قضاء الفروض التي مرت به، وهذه التوبة وبدؤه بالصلاة هذه تكفيه - بإذن الله تعالى - وهو الآن تائب راجع إلى الله تعالى حبيب لله عز وجل.
كذلك إذا كان الإنسان يشرب الخمر فإن شرب الخمر معصية تتعلق بذات الله تعالى، أو يشرب الدخان أو المخدرات فهذا كله حق الله عز وجل، فلو أنه تاب من هذه الحقوق وتوقف عن شرب الخمر أو بمعنى أنه توقف عن تعاطي المخدرات أو التدخين فإن هذه الذنوب قد تاب إلى الله تبارك وتعالى منها، والنبي بشرنا بأن من تاب تاب الله عليه.
أما إذا كان الذنب - بارك الله فيك - يتعلق بحق عبد من عباد الله كواحد ضرب إنساناً أو أكل ماله أو هتك عرضه أو زنا بأهله – والعياذ بالله – أو عاكس امرأته وغير ذلك، فإن هذا فيه حقان: حق لله تبارك وتعالى، إذا توقف العبد عن هذا الذنب وأقلع عنه ولم يرجع إليه بعد ذلك، فإن الله يغفر له حقه - سبحانه جل جلاله – أما حق العبد فإنه لا يسقط لأنه يظل يطالب به العبد يوم القيامة؛ ولذلك في هذه الحالة ماذا نفعل؟ نحن مطالبون بأن نكثر من الأعمال الصالحة، وأن نكثر من أعمال البر، وأن نكثر من الطاعات المقدور عليها، ولا نتكلم مع هذا الرجل لأنه لا يمكن أن يذهب إنسان لإنسان ويقول له أنا عاكست امرأتك؛ لأنه لن يقبل منه ذلك وقد يؤدي إلى منكر أكبر، فقد يضربه أو قد يقتله وغير ذلك، ولذلك يستر على نفسه، ولا يتكلم بهذا الأمر مع أحد من خلق الله تعالى، ويكثر من الأعمال الصالحة، ويحرص على قيام الله والإكثار من النوافل وكذلك على صيام التطوع ويحرص على الصدقات وعلى قراءة القرآن وعلى الأذكار وعلى صلة الأرحام وبر الوالدين، إلى غير ذلك من الأعمال حتى يكون عنده رصيد كبير من الحسنات.
فإذا ما جيء به يوم القيامة فإن صاحب الحق يقول يا رب أدّ لي حقي، فهذا الرجل اعتدى عليَّ وعلى عرضي، فإن الله تبارك وتعالى إما أن يحمل عنك الذنوب هذه ويكافئ الرجل من عنده سبحانه وتعالى جل جلاله – لأنك قد تبت توبة نصوحاً صادقة، وعلم الله تبارك وتعالى منك ذلك واطلع على قلبك فعلم أنك من الصادقين فإنه جل جلاله إما أن يتحمل عنك هذا الذنب وأن يعوض الرجل خيراً، وإما أن يعطيه من حسناتك وهذا ما يعرف بحديث المفلس - نسأل الله السلامة والعافية – كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع – أو دينار – قال: المفلس مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة إلا أنه سبَّ هذا وضرب هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه فطرح في النار).
فإذن هناك قصاص من حقوق العباد، أما هذا القصاص متى يرفع - أخي الكريم - ؟ يرفع إذا كانت التوبة صادقة مائة بالمائة، بمعنى أني كنت مثلاً أدخن فأقلعت عن التدخين ليس خوفاً من أي شيء إلا من الله تعالى، وقلت يا رب تركت التدخين من أجلك وفعلاً حرصت على ذلك واجتهدت بكل قوة وقاومت شهواتي ورغباتي فإن الله تبارك وتعالى يغفر لي...
إنسان مثلاً كان ينظر للنساء الأجنبيات وطبعاً لما علم أن هذا حرام أصبح لا ينظر مطلقاً ولا ينظر لأي امرأة ولا يعرف لونها ولا يفكر فيها، وبهذه المسألة قد تاب إلى الله من حقوق العباد، فهذه التوبة الصادقة كفيلة بأن يغفر الله تبارك وتعالى له حتى ما كان بينه وبين عباده، فإن استغفر الله تبارك وتعالى وتاب فإن الله جل جلاله لا يعاقبه لأن الله قد عفا عنه وغفر له؛ ولذلك لن يعاقب بعد ذلك - بإذن الله – لأن الله قبل التوبة واعتبرها أعظم سبب من أسباب مغفرة الذنوب ورفع المؤاخذة.
أما إذا حدث له مكروه أو شيء لا يحبه بعد هذه التوبة هل يكون هذا بسبب الذنوب؟ فالجواب: قد يكون وقد لا يكون، قد يكون بسبب المعاصي القديمة وقد لا يكون، لاحتمال أن التوبة لم تكن على الوجه المطلوب أو لاحتمال أن يكون هناك ذنب أنت لم تتب منه فتعاقب بسببه أو احتمال أن يكون هناك ذنب أنت قد نسيته؛ لأنك قد تكون فعلت الذنب مثلاً من سنتين ثم نسيته تماماً، ولكنه ما زال موجودا وأنت لم تتب إلى الله منه، فقد يكون من جراء هذا الذنب يحدث هذا العقاب؛ ولذلك المعاصي كما ورد في حديث النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (إياكم والمعاصي، واعلموا أن العبد يُحرم الرزق بالذنب يصيبه، وقد كان هُيئَ له). إذن: الذنب عندما يقع فيه الإنسان قد يُحرم بسببه الأرزاق ويحرم بسببه الخيرات وقد يتعرض بسببه للبلاء، وهذا متوقف على التوبة، فإذا كانت التوبة صادقة فعلاً وأنت كرهت هذه المعصية وحرصت ألا ترجع إليها وعلم الله منك الصدق فاعلم أن الذي يأتيك من الابتلاءات إنما هو ابتلاء من الله تعالى المراد منه والغاية منه أن يحطَّ الله عنك من خطاياك وأن يرفع الله من درجاتك؛ لأن الله إذا أحب عبداً عجَّل له العقوبة في الدنيا حتى يأتي يوم القيامة وليس عليه معصية - بإذن الله تعالى - .
فإذن على قدر صدق التوبة وإذا كانت توبة العبد جادة وصادقة ونصوحاً فإن الله تبارك وتعالى يقبلها كما وعد - سبحانه وتعالى – واعلم أن الله قال: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ))[البقرة:222] فهو يحبهم؛ ولذلك إن حدث له مكروه بعد التوبة الصادقة النصوح فنقول: إما أنه بسبب ذنب أنا لم أذكره أو ذنب أنا لم أتب منه، وإما أنه حطّاً للخطايا ورفعاً للدرجات وتجاوزاً عن السيئات، حتى يجعلني الله عز وجل من أهل الابتلاء الصابرين، والله سبحانه وتعالى يحب الصابرين.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يغفر لي وإياك وأن يتوب عليَّ وعليك وسائر المسلمين، وأن يجعلنا من التوابين المتطهرين الذين يحبهم ويحبونه.
والله ولي التوفيق.