الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصلي وأقرأ القرآن أمام الجميع ويتهمونني بالرياء، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 18 عامًا، أعيش في المانيا، وأنا وأمي نسافر لنزور خالتي في كل عطلة، بنات خالتي ينعتونني بالمتدينة، والفتاة التي تتظاهر بالتدّين والغريبة؛ وذلك بسبب عدم امتلاكي حسابات في التيك توك، السناب شات، وتطبيقات أخرى كهذه، وبسبب تذكيري لخالتي بضرورة حثّ أولادها على الصلاة، ولأني أقرأ القرآن أحيانًا في منزلهم.

تشاجرت مع واحدة منهنّ، وقالت: أنا أفضل منك، وأنت تتظاهرين بالتديّن لنيل حب الجميع، وكنت العب الشدّة -لعبة ورقية- معهن، ثم توقفت خوفًا من الله، فأخبروني بأني مملة، وعندما أخبرهن أنّ هذا المنتج من المنتجات التي ينبغي أن تقاطع، يمتعضن ويظْنُنَّ أني أتظاهر بالتدين أمامهن.

أفكر كثيرًا قبل تذكّيرهن بالصلاة وغيرها من الأمور، لأنهن لن يتقبلن الأمر مني، وأقول لنفسي: هذا ما يجب علي فعله أمام الله، فهل حقًا هذا ما عليّ فعله رغم رفضهن لنصيحتي، أو حتى تذكيري لهن؟

علمًا بأني مقصّرة، ولكن أن تصلي في دول الغرب، أو أمام ناس تشربوا ثقافة الغرب، فهذا تدّين وتظاهر بالإيمان، وشيء غريب. في بعض الأحيان أفكر جليًّا وأشك في نفسي، هل أنا حقًا غريبة، وأقوم في بعض الأحيان بفعل أشياء لا أريد فعلها، حتى لا أكون غريبة بينهن، شعوري بأني غريبة يراودني في كل مرة أذهب لزيارة أي شخص وأقرأ القرآن.

السؤال: هل قراءة القرآن أثناء زيارة الأقارب، أو حتى الأصدقاء من الرياء؟ وهل واجب عليّ تذكير خالتي بحث أبنائها على الصلاة رغم رفضهم لتذكيري؟

جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sham حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نهنئك بما مَنّ الله تعالى به عليك من الاستقامة والهداية، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدًى وصلاحًا.

ثانيًا: نوصيك -ابنتنا الكريمة- بالاستمرار والثبات على ما أنت عليه من الخير، وأن تعلمي يقينًا أن الشيطان حريصٌ على صرف الإنسان عن طريق الاستقامة، ويتخذ لذلك كل وسيلة ممكنة، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها".

ومن هذه الوسائل، أنه يحاول إشعار الإنسان أنه غريب ومختلفٌ على مَن حوله، وأنه ثقيل عليهم، وقد يدفع بعض مَن حولك ويَؤزُّه ليقول كلمات توهم ذلك أيضًا، ففي هذه الحال ينبغي أن تصبري، وتثبتي على ما أنت عليه من الخير، وتعلمي أن رضا الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى كثير من الصبر والاحتساب. ومع هذا كلِّه ينبغي عليك أن تكوني مراقبة لنيّتك، وتُخلصي هذه النية لله تعالى في كل عملٍ تعملينه، من صلاةٍ، وقراءةٍ، وغير ذلك؛ فإن العمل لا يُقبل عند الله تعالى إلَّا إذا كان خالصًا لوجه الله.

فإذا ثبتِّ على هذا الطريق فإنك -بإذن الله تعالى- ستصلين إلى ما تتمنينه من الخير وسعادة الدنيا والآخرة.

أمَّا نصح الآخرين ممَّن حولك؛ فإن الواجب على الإنسان المؤمن إذا رأى منكرًا أن ينهى عن ذلك المنكر، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، وأنت إذا رأيت منكرًا فإنك مأمورة بأن تنهي عن المنكر بلسانك بقدر الاستطاعة، وحاولي أن تتلطفي بمن حولك، وأن تُحسني إليهم بطريقة الوعظ والنصح، وألَّا يشعروا بأن بالأمر استعلاء عليهم وتكبّر، فحاولي أن تكوني لطيفة، حريصة على هدايتهم وصلاحهم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمْر النِّعم"، يعني خيرٌ لك من الإبل الحمر -وكانت أعز الأموال وأحسنها في زمانهم-.

ويجب عليك أن تُغيري المنكر ما دمت ترين هذا المنكر وتقدرين على تغييره بالتذكير، وأكثر العلماء يرون أنه يجب على الإنسان أن ينصح وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولو علم أنهم لن يقبلوا نصحه، فيجب عليه أن يُؤدِّيَ ذلك ابتغاء رضوان الله، وإقامة العُذر عند الله تبارك وتعالى.

وبعض العلماء يرون أن المنصوح إذا كان لن يستمع لنصحك، ولن ينتهي بنهيك؛ فإنه لا يجب عليك حينها أن تأمري بالمعروف وتنهي عن المنكر، ولكن الأولى -بلا شك- أن يسعى الإنسان إلى نصح الآخرين وتذكيرهم بالله تعالى، وألَّا ييأس من رحمة الله، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن؛ يقلِّبُها كيف يشاء.

نؤكد مرة أخرى -ابنتنا العزيزة- بأنك لست غريبة في ما تفعلينه من الخير والاستمرار عليه، ولكنّ الشيطان يحاول أن يصرفك عن هذا الطريق، فيُسلّط عليك بعض البشر ليُسيئوا إليكِ، ويحاول أن يُشعرك أنت أيضًا بأن في سلوكك غرابة، فلا تلتفتي لهذا كلِّه، واستمري على ما أنت عليه من الخير.

وقراءة القرآن أمرٌ مشروع محبوب في كل مكان، سواء كان في بيوت الأقارب أو في غير ذلك، لكن يجب على الإنسان أن يحرص على إحسان نيته وإخلاصها لله تعالى، وأن يجاهد ويقاوم أي دافع من دوافع الرياء.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً