الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثقتي بنفسي ضعيفة جداً وغير قادر على التفكير بإيجابية.. أفيدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: الحمد لله رب العالمين، وبعد:

جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه، ومعذرة لو وجدتم استشارتي تتحدث عن أكثر من موضوع، وسأحاول الاختصار -إن شاء الله-.

معاناتي بدأت منذ الطفولة، منذ أن نشأت في بيت لا يعلم بحاله إلا الله، أسرة مفككة، وضرب وإهانة وتوبيخ، وهذا أثر علي جداً منذ طفولتي، وجعلني أشعر بالدونية، وإن كانت بنسبة قليلة.

بعد ذلك بفترة الإعدادية، ابتليت فيها بالإباحية، والعادة السرية، مما سبب لي كرهاً لنفسي، كنت قريباً من الله بعض الشيء، ولكني كنت أشعر بالنفاق، وكنت فاشلاًَ دراسياً.

جاءت المرحلة الثانوية، وأصبت فيها بوسواس العقيدة، كنت تقريباً لا أستطيع النوم من كثرة التفكير، ولكن بعدها -والحمد لله- هداني ربي، وفي مرحلة الثانوية العامة شعرت بالعذاب النفسي، ولم أدخل الكلية التي كنت أريدها -والحمد لله-.

في بداية مرحلة الجامعة انفتحت، وقررت أن أخبر أبي وأمي عن مشاكلي، وبأني أخاف من معاملة الناس، فذهبت لطبيب نفسي، وبالفعل شخصني أني مصاب بوسواس قهري، وضعف ثقة بالنفس، وتناولت العلاج فترة، بعدها اكتشفت أني مصاب بالسحر، وهو سبب هذه الأشياء -والله أعلم- ولا زلت مصاباً به أو بتوابعه إلى الآن، لكن -والحمد لله- صرت مواظباً على قراءة سورة البقرة، وتعافيت -بفضل الله- من إدمان الإباحية والعادة.

هذه خلفية مختصرة لعرض أبعاد المشكلة، والآن أنا تقريباً منعدم الثقة بنفسي، ولا أتعامل مع الناس، رغم أني -بفضل الله- أطور من نفسي، وأتعلم وأذاكر، وأجتهد، لكن ثقتي بنفسي ضعيفة جداً، وغير قادر على التفكير بإيجابية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك في عمرك، وأن يصلح حالك، وأن يحفظ عليك نعمة الله التي تغمرك صباح مساء، ونسأله أن يزيدك من فضله، إنه جواد كريم.

أنعم الله عليك بالعافية في البصر، وكم من كفيف يتمنى أن يعيش يوماً واحداً مبصراً ثم يموت، أنعم الله عليك بالسير على قدمين، وكم من مشلول أقصى أمانيه أن يركض ولو مرة مثل أقرانه، أنعم الله عليك بأن حفظ لك الكلى، وكم من مريض كلى يستيقظ صباحاً لينتظر دوره حتى يغسل كليتيه، ثم يمارس حياته بعد ذلك إلى صباح اليوم الثاني، أنعم الله عليك بالمعدة، وكم من مريض بها، غاية أمانية أن يأكل مرة دون تعب.

أنعم الله عليك قبل هذه كلها بالإسلام، وتلك والله نعمة الله العظمى عليك، واختصك بتلك الإرادة التي قاومت بها بعض الأمراض، ومنها الوسوسة، واستطعت -بحمد الله- أن تتغلب عليها، وأن تحافظ على ورد من القرآن، وتلك منة أخرى تستحق الحمد.

بعد هذه المقدمة -أخي الكريم- نحب أن تفهم ما هي مشكلتك؟
مشكلتك محصورة في مسألة أو مسألتين، وعلاجها -والحمد لله- ميسور، فقط ما يجب عليك فعله هو:
1- تذكير نفسك بنعم الله عليك دائماً.
2- تحديد المشكلة دون تضخيمها.
3- البحث عن علاج لها، والاجتهاد في بذل الوسع.
4- ألا تضعف أمام أي مشكلة، بل أنت بالله قوي، وإن زلت القدم مرة، فهذا يعني تعسراً يوشك أن تقوم منه.
5- عليك أن تستعين بالله في كل أحوالك، وأن تتوكل عليه، وأن تعلم يقيناً أنه ما استعان أحد بالله وأوكله الله إلى غيره.

هذه الخماسية اجعلها -أخي- في حياتك كلها، ومع أي مشكلة طبقها، وستجد الخير -إن شاء الله- مع الصبر.

مشكلتك في ضعف الثقة، وهو بدوره يقودك إلى السلبية التي عبرت عنها بضعف الإيجابية، هذه هي المشكلة من غير تضخيم، وعلاجها ميسور بأمر الله في النقاط التالية:

أولاً: بداية الطريق، وأول ما ينبغي فعله حتى تتعمق الثقة وتتجذر داخلك: أن تحذر ثلاث عقبات، قد أشرنا إلى بعضها، ولا بأس من التكرار:

1- تهويل الأمور وتضخيم المواقف، والصواب أن ننظر إلى الأخطاء بلا تهويل ولا تهوين، ندرس بهدوء المشكلة وما ينبغي فعله، وما لا نقدر على فعله يتم ترحيله، ثم نمضي فيما نحسن.
2- احذر اعتبار نقد غيرك لك معياراً حقيقياً للصواب أو الخطأ، فهذا خلل خطير، فالمعيار الحقيقي لمعرفة الصواب من الخطأ، هو الأصول والمبادئ المتعارف عليها شرعاً وعرفًا، وليس نقد الآخرين.

3- احذر كذلك من المبالغة في التفكير في أي خطأ تقع فيه، أو أن تهاب فعل شيء، حتى لا تخطئ، هذا -يا أخي- من الخطورة بمكان، فالنجاح الحقيقي يمر على جسر من الفشل، ومن الخطأ نتعلم، فلا تستسلم لكلام الناس أو تتهيب من انتقادهم، أو اعتبار نقدهم أمراً مقدساً؛ لأن هذا قد يتطور إلى أن يصل إلى حد احتقار الذات، ببعض الألفاظ التي قد تدمر الشخصية مثل: "أنا عديم الثقة" أو " أنا فاشل" أو غير ذلك من العبارات الفارغة، والتي تشكل خطراً جسيماً على النفس، لأنها تزيد من اقتناعك بكلام غيرك، وهذا خلل يجب تداركه.

ثانياً: نريد أن ننصحك بعدة أمور، ونرجو منك التركيز في قراءتها:
1- حدد هدفك بدقة: تحديد الهدف يحتاج إلى أمرين:
- معرفة قدراتك.
- الابتعاد عن المثالية في طرح أهدافك.

2- الفراغ مدمر للذات، قاتل للنفس مضيع للوقت، مذهب للعقل محبط للنفس، فاحذر من ترك الفراغ ليتحكم في وقتك، بل اجتهد في شغل كل وقت لك بالجيد النافع، ونوع في ذلك بين قراءة شرعية أو فكرية، وبين رياضة بدنية، أو صحبة صالحة، المهم ألا تجعل العقل خاوياً من عمل أو فكر.

3- العزلة والوحدة لها دور سلبي مقعد عن أي عمل إيجابي، بل هي تساعد على زيادة المشاعر السلبية، فاجتهد ألا تبقى وحدك، واستبدل ذلك بأي عمل فكري أو بدني.

4- العمل الجماعي التطوعي أمر مهم في اكتساب الشخصية الإيجابية، حاول -إن وجدت وقتاً- أن تشترك في أي جمعية خيرية لمساعدة الفقراء، أو أي عمل مجتمعي لمساعدة الغير، هذا سيكسبك الإيجابية ويعودك عليها.

5- من المهم كذلك زيادة معدل التدين عندك، فالقرب من الله غنيمة، وفيه البلسم الشافي والعلاج الوافي لما أنت فيه، ومن المهم أن تجعل لك ورداً ثابتاً من كتاب الله، ولو صفحة واحدة، وورداً من الأذكار، مع المحافظة على أذكار الصباح والمساء.

6- الصحبة الصالحة لها دور إيجابي كبير في حياة الناس، اجتهد أن تتعرف إلى بعض الشخصيات المتدينة، وانتق من كان منهم متميزاً وصالحاً، هذا سيكون عوناً لك بعد الله عز وجل.

نرجو منك أن تطبق هذه الوصايا، وأن تراسلنا لنطمئن على سيرك، وإن كنا على ثقة بأن النجاح رفيقك، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً