السؤال
السلام عليكم..
بداية: أشكر الله ثم أشكركم على ما تقدّمون من استشارات مباركة، وقضيتي كالتالي:
والدتي عمرها 68 سنة، لا تعاني ضغطًا ولا سكّرا ولا أمراض قلب -بحمد الله- ومنذ عامين تقريبًا بعد فقد أخيها في حادث مروري أصبحت علامات الاكتئاب تظهر عليها، وأصبح تعاني من تشجنّات قولون وآلام معدة، وقد ذهبنا إلى العديد من المستشفيات؛ فتم عمل تحاليل دم وغدة درقية وأشعة تلفزيونية ومنظار على المعدة وفحص جرثومة المعدة، وكل النتائج سليمة! ويميل أغلب الأطباء إلى أنها تعاني اكتئاب توتري، ولا تعاني مرضًا عضويًا، وهذا ما نعتقده.
لقد ساءت حالتها مؤخرًا، وأصبحت لا تنام بالليل إطلاقًا، وتخاف من الوحدة، حتى أننا عطّلنا أعمالنا لأجلها، فقد أصبحت مراجعتنا للمستشفيات الخاصة والحكومية شبه يومية مطاوعة لرغبتها، والمنطلقة من اعتقاد أن الإبر والمسكّنات الوريدية تفيدها، وصارت تخاف من الجلوس لوحدها ولو لدقائق معدودة.
ولم نعد نخرج إلا بالتناوب، وإذا حصل ظرف ما يجبرنا على الخروج سويًّا تتصل علينا واحدًا واحدًا متى ستأتون؟! وهي ساكنة لوحدها في منزل مجاور لمنازلنا أنا وإخوتي، وبمجرّد القيام من النوم في الغالب نحضر إليها. وقد راجعنا بها العيادة النفسية فأعطونا لها ديبرالكس وحبوبا أخرى لا أعرف أسماءها، إضافة إلى الدوغماتيل، ولكنها تتحرز من أكلها في بعض الأحيان، قائلة: هذه علاجات لا فائدة منها، وإذا أكلت منها أصبحت أفضل نوعًا ما، والآن بعد أن انتهت الإجازة اضطررنا أن ننام مبكرًا، وبعضنا يعمل في مدينة أخرى، ولم تعد لدينا الطاقة للسهر معها والذهاب لأعمالنا فتوترت، وأصبحت تقول لنا ماذا سأفعل ليلًا. فحاولنا معها أن تعدّل نومها، ولكن يبدو أنها تخاف من الليل وتفضل النوم نهارًا، وصرف لها أحد الأطباء حبوب نيميرون نصف حبّة ليلا، ورغم أكلها فهي لا تنام إلا بعد الفجر مع ظهور الضوء، وأحاول بعد أن آتي من العمل ظهرًا أن أجعلها تصحو إلا أنها تقول: أنا متعبة، ولا أستطيع القيام من الفراش، رغم قولها أإها لم تنم بالأصل، فأدعها على رغبتها، ولما تصحو في العصر هذه الأيام في الغالب نذهب بها للمستشفى كما تريد، وهكذا حياتها.
ولعلني أذكر أنها لم تكن بحالة نفسية جيدة منذ كنا صغارًا، فلا تتواصل اجتماعيًا، وتميل إلى الإنطوائية، إلا أنها قائمة بواجباتها الزوجية مع أبي، وواجباتنا كصغار، لكنها تشاؤمية في نظرتها للحياة، فبمجرد أن تسمع صيحات الإسعاف تطلب منا أن نتصل على الخارج منا أو إخوانها للاطمئنان عليهم، وهي الآن دائمة الإطراق للأرض، لا تتحدث إلا عند السؤال، وأحيانًا كأنها لا تريد أن تتحدث، المهم أن تجد عندها أحدًا، ورغم ذلك فهي قادرة على العناية بنفسها، بل ونجدها قد أعدّت القهوة، وأردنا منها أنا وإخوتي أن تترك منزلها لتكون معنا فرفضت، بحجة إزعاج أطفالنا الذين لم تعد تريدهم، وإذا اقتربوا منها تحاول الابتعاد؛ مما جعلنا لا نحضرهم لها مراعاة لخاطرها.
أعلم أنني أطلت، ولكن أنا وإخوتي أصبحنا بحالة جسدية ونفسيّة متعبة بسبب ما ألمّ بوالدتنا، ونخشى عليها من ازدياد حالتها سوءًا؛ مما قد يجعلها تفكّر بأشياء لا تحمد عقباها مما يفكّر بها المكتئبون، وننتظر رؤيتكم.
وجزاكم الله خير الجزاء.