الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلبي حزين على ترك تخصصي، أريد القناعة فأين هي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا فتاة متفوقة، ومن الأوائل على دفعتي عندما تخرجت من الثانوية قدمت على بعثة لدراسة تغذية بشرية في دولة قريبة، لكن بعد مرور سنة لم أستمر ورجعت، فالغربة صعبة جدا، وأمي لم تتحمل وحدتها، ثم قدمت لدراسة الطب وبنعمة الله حصلت على بعثة، وكنت ممتنة، حيث إن والدي متوف وأمي لا تملك المال الكافي لتدريسي تخصص الطب المكلف في منطقتنا، وبعد دراستي المجهدة رسبت في مادتين، وعند امتحانات الدور الثاني تكرر رسوبي، والله يعلم كيف درست فوق استطاعتي، وكان يتوجب علي إعادة السنة على حساب الوالدة، لكن لعدم امتلاكها المال فهي ربة منزل، رجعت إلى البيت، وضيعت سنتين الآن، ولا توجد جامعة تقبل بمعادلة المواد.

أخبرتني والدتي أنها تستطيع تدريسي أحد تخصصات الفنون، حيث إنه الأقل تكلفة، وبدأت في دراستي، والتخصص جدًا تافه، لكني أحمد الله على نعمة الشهادة التي سأحصلها، الآن أنا على الرغم من امتناني الشديد أني أدرس في جامعة معينة إلا أنه يصيبني الحزن على تضييعي سنتين، وبذلي مجهود عظيم بدون أي نتيجة، وفي الآخر أدرس تخصص فنون، ولو أني كنت من الأوائل على دفعة العلمي، ولا أريد أن أقارن نفسي ببعض قريناتي ومن هن في سني، حيث تخرجن بمعدلات أقل مني ولا يجدن حتى أساسيات اللغة الإنجليزية، ويتعلمن تخصصات الهندسة والطب، وكلهم على بعثات، وأنا أعلم أنها بالواسطة إلا أنها أولا وآخرا أرزاق، وأعلم أن الخيرة فيما اختاره الله إلا أن قلبي يحزن على الدراسة وعلى شماته الناس في.

كيف لي أن أحقق القناعة التامة أن تخصصي هذا لن يؤول بي إلى البيت؟ فأنا لا أساعد والدتي براتب ولا بأي شيء، أشعر بالإهانة والغباء! كيف يمكنني التغلب على هذا الشعور؟ كيف لي أن أتغلب على رغبتي الدائمة في شيء أعلم أنه لن يرجع لي أبدًا؟

شكرًا على المساعدة، وأعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيخة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا لك على التواصل معنا، وعلى حسن التعبير عما في نفسك، فمن الواضح أنه لم يكن بالأمر السهل، وطبعا معك كل الحق في أن تشعري بالألم والحرقة والندم على ما فات، وعلى تطور الأمور بهذا الشكل، أعانك الله وخفف عنك، وفتح لك أبواب التوفيق والنجاح.

وواضح من سؤالك أنك شابة طموحة وعندك دافعية قوية لتحقيق أهداف كبيرة في حياتك، إلا أن الظروف لم تساعدك لسبب أو آخر، كالغربة الصعبة كما ذكرت، ورغبتك بالوقوف مع أمك، وخاصة أنك ذكرت لنا وفاة والدك رحمه الله.

وكما يقولون أن ما فات انتهى وانقضى، وربما لا تفيد كثرة الحسرة والألم عما جرى، والأفضل منه تعلم الدروس، والنظر إلى المستقبل، ومن يدري لعل الله يريدك لأمر آخر غير الذي أنت تريدينه.

الآن أنت تدرسين الفنون، وصحيح أنه لم يكن رغبتك الأولى، إلا أنها ظروف الأسرة والوضع المالي وغيرهما، وربما النقطة الأهم هنا، أو السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل ستستمرين في فرع دراسة الفنون الذي أنت فيه، أم ستغيّرين لشيء آخر، وإذا كان، فما هو؟

شعوري الأولي يقول لي بأن الأفضل أن تستمري في هذه الدراسة، وخاصة أنك كررت التغيير خلال الفترة الماضية، وربما أنت بحاجة لشيء من الاستقرار في وضعك، وفي دراستك، أي أن نبتعد قليلا عن التغيير مجددًا، ويمكن لهذا أن يعطيك فترة من الاستقرار والتركيز لبعض الوقت، وفي نفس الوقت الأمل أن تبدئي بمحبة هذه الدراسة والتلقي فيها، ومن يدري لعلك تبدعين في جانب من جوانبه.

والفائدة الأخرى أنك يمكن أن تنتهي بشهادة جامعية تتيح لك العمل وكسب الرزق، ومساعدة أمك بالنفقات... ومن أمثلة العمل الذي يمكن أن تقومي به هو تدريس مادة الفنون في مدارس البنات، وتحقيق كل هذا لا تعني نهاية الطريق، حيث يمكنك أيضا وبعد كل هذا أن تتابعي دراستك في فرع آخر أقرب لنفسك، وخاصة الجانب العلمي، هذا طبعا إذا رغبت بالمزيد من التعلم، وإن كان هناك احتمال أن تبدئي بمحبة دراسة الفنون وحتى الإبداع فيها، ولعل الله تعالى يفتح على يديك ما يفيد الناس، وتكوني مصدر إلهام لهم وخاصة طالباتك، هذا إذا رغبت في مهنة التدريس الهامة والمقدسّة.

وأما كلام الناس وموقفهم منك، فهذا موضوع آخر طويل، خلاصته أن إرضاء الناس غاية لا تُنال، فربما يفيد أن لا تبذلي جهدا كبيرًا، ولا وقتا في محاولة إرضاء هؤلاء الناس، فالمهم أنت وماذا تريدين في هذه الحياة، وللناس همومهم الأخرى التي تشغلهم عنك، والمهم أنت وماذا تريدين تحقيقه في هذه الحياة.

أرجو أن يكون في هذا ما يريح بالك، ويعطيك رؤية أوضح لطريقتك، مما يساعدك على الإنجاز والعطاء والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً