الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أسافر للدراسة بدون محرم .. أفيدوني

السؤال

السلام عليكم

إخواني: منذ شهر أعلنت الكلية التي أدرس فيها عن وجود منح للطلاب إلى ألمانيا لمدة شهر واحد من التدريب في إحدى الجامعات هناك، شاملة لكل المصاريف، وتقدمت أنا من ضمن الممتحنين، ونيتي هي أني فقط أريد أن أقارن مهارتي بالانجليزية مع أقراني، كما أريد أن أعرف كيف سيكون أدائي في المقابلة الشخصية؟ بالمختصر كنت أحب أن أجرب، وأختبر نفسي، وقلت لوالدتي بأني حتى لو نجحت لن أذهب.

تقدمنا 15 طالباً وطالبة، وقبل منهم خمسة، حزت أنا -والحمد لله- على المركز الثاني، وحين أعلنت النتائج أحسست بالفرح، والخوف في نفس الوقت، وقلت لوالدي أنا لن أذهب، لكن أبي شجعني على الذهاب، وعندما ذهبت إلى الكلية رأيت زملائي يهنئونني، ويهنئون الآخرين ممن نجحوا أحسست بسعادة، وأني مميزة، خاصة عندما كان البعض يقول لي: أنت أكثر واحدة تستحقينها.

عندما عدت للبيت أخبرني أبي أنه لن يضغط علي، وأنا حرة إن لم أرد أن أذهب، ولكني صليت صلاة استخارة، وأحسست بالراحة وأصريت على الذهاب.

استمررت مع الأربعة الآخرين (وكنا بنتين وثلاثة رجال) لعمل الإجراءات للسفر، وحصلنا من الجامعة الألمانية على دعوة دخول، وتعزيز مالي.

ولكن في هذه الأثناء كنت أمر بحالات قلق أني سأسافر بدون محرم، وكيف لي أن أعصي الله وأضيع آخرتي بدنياي، ثم كان من المقرر أن أسافر إلى العاصمة لاستخراج الفيزة اليوم، وكنت سأذهب برفقة والدي، ولكني التقيت بخالي يوم أمس، وأخبرني أنه لا يجوز لي أن أذهب، ووقعت الكلمات في نفسي، وقررت عدم الذهاب.

أنا أؤمن أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، لكني خائفة من لوم الإدارة لي، إذ أني ضيعت الفرصة على طالب آخر، ولم أنسحب من البداية، أحس بتأنيب الضمير، وبأني مخطئة وأحس بالخوف من اللوم، خاصة أن أمي وأبي وبعض أقاربي لاموني على انسحابي، كذلك ستفعل الكلية، وسيصرون على ذهابي.

ماذا أفعل؟ أحس أني منبوذة، وأني أكره نفسي، هل أنا على صواب؟ علماً أني تركت هذا الشيء لوجه الله الكريم، وأعلم أنه لن يضيعني.

ساعدوني أرجوكم، فأنا خائفة من ردة فعل الإدارة والطلاب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المزعجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، وأن يستخدمنا وإياك فيما يُرضيه، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجنبك الفواحش والمخاطر ما ظهر منها وما بطن، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أرجو أن تُوقني أن الذي تطيعينه وحرصتِ على مرضاته سيحميك من شرور الناس، ومن آثار كلامهم، وكلام الناس لا يقدم ولا يؤخر، والإنسان حر في اتخاذ القرار الذي يراه مناسبًا متى ما تبين له الحق، فلا تحملي نفسك فوق طاقتها، ولا تعطي الموضوع أكبر من حجمه، وينبغي أن يعلم الناس أن هذا شيء مقدر بقضاء وقدر، وأن الإنسان عندما يتبين له الصواب والحق ينبغي أن يسير عليه، خاصة في مثل هذه المسائل التي اقتنعت بها، ولن تكوني مرتاحة كما قلت وذكرت، فنحن نحترم خيارك الذي ذهبت إليه، وهو الأٌقرب إلى الصواب وإلى الخير والضوابط الشرعية، وينبغي للجامعة، وكل من حولك أن يحترم هذه الرغبة، وهذا القرار الذي تم اتخاذه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير.

اعلمي أن كلام الناس لا يمكن أن ينتهي، فإذا ذهبت فسيقولون لماذا ذهبت، وكيف تذهب بلا محرم؟ وما فائدة هذا الذهاب؟ ومتى رأينا البنات يسافرن؟ وإذا تركت لاموك أيضًا، فكلام الناس لا ينتهي ورضاهم غاية لا تُدرك، والمهم في كل مواقف الإنسان هو أن يكون الله تبارك وتعالى راضٍ عنه، هو أن يختار الإنسان الصواب والذي يُرضي الله تبارك وتعالى، ويكون للإنسان أيضًا قناعات وقرار إذا اتخذه لا يبالي بما يقوله الناس، بل لا يكون همه رضا الناس، وإذا رضي الله عن الإنسان أرضى عنه الناس، وأرضى عنه جميع الخلق، لأن قلب الناس بين أصابع الرحمن يقلبها تبارك وتعالى.

من التمس رضا الناس، وأسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس، ومن التمس رضا الله تبارك وتعالى وإن سخط الناس يُوشك أن يرضى الله عنه ويُرضي عنه الناس، وإذا قبل الله عبدًا من عباده، فإنه يأمر جبريل فينادي أن الله يحب فلانًا فأحبوه، ثم يُلقى له القبول في الأرض، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اقرؤوا إن شئتم: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًّا}.

نسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يكفيك شر كل ذي شر، وأن يعينك على الثبات والسداد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أرجو أن تكوني ثابتة وراسخة ولا تبالي بالكلام الذي يقال، لأنا اتفقنا أن كلام الناس لا ينتهي، وأنت لا تسلمي في أي حال من حالاتك من كلام الناس، فاجعلي همك رضا الله تبارك وتعالى، ولا تبالي بعد ذلك بما يحدث، وإذا تكلموا عليك أو لاموك، فهذا مزيد أجر وثواب وثبات، نسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، ونحن نتمنى أن تحرصي على التفوق في الدراسة.

نسأل الله أن ينفع بك البلاد والعباد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً