يمنح السفر الإنسان لحظة يبتعد فيها عن مجريات العمل ومتاعب الحياة اليومية، ولذا قال الشافعي رحمه الله:-
تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج همٍ واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد
ومن المعلوم أن السياحة في الأرض والتأمل في عجائب الدنيا عند السفر مما يزيد العبد المؤمن معرفة بالله جل وعلا، ويقيناً بأن لهذا الكون رباً ومدبراً يستحق العبادة وحده دون ما سواه، قال تعالى: { وفي الأرض آيات للموقنين } ( الذاريات:20)، ويعتبر السفر من جملة حاجات الإنسان التي جاءت الشريعة بتنظيمها، فينبغي لمن أراد السفر أن يحافظ على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جاءت السنة ببيانه:-
فقد كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرة بين أربعة أسفار: سفر لهجرته، وسفر للجهاد، وسفر للعمرة وسفر للحج.
وكان عليه الصلاة السلام قبل أن يخرج يودع أهله وأصحابه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ) رواه الترمذي ، وكان يوصيهم بتقوى الله في كل حين.
وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالجماعة في السفر، وينهى عن الوحدة، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليلٍ وحده ) رواه البخاري ، فعلى المسافر أن يصطحب معه رفيقاً يكون له عوناً على سفره، يرغبه في الخير ويبعده عن الشر، إن نسي ذكره، وإن تعب شد من أزره.
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه إذا خرجوا لسفر أن يجعلوا عليهم أميراً، حتى يكون رأيهم واحداً، ولا يقع بينهم الاختلاف، وكل ذلك حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على لزوم الجماعة وتجنب أسباب الفرقة.
وكان يستحب – صلى الله عليه وسلم - الخروج يوم الخميس في أول النهار، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : " لقلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس " رواه البخاري ، وكان عليه السلام يدعو الله تبارك وتعالى أن يبارك لأمته في بكورها.
وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأذكار والأدعية للمسافر:-
منها أنه إذا ركب على دابته، واستقر عليها قال: ( الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون، ثم يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) رواه أبو داود ثم يقول: ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل ) رواه مسلم .
ومما ورد عنه من الأذكار أثناء المسير أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفاً – وهو المكان المرتفع- كبَّر الله تعالى، وإذا هبط وادياً سبح الله تعالى، ففي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ( كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا ) رواه البخاري .
ومن جملة الأدعية في هذا الشأن، أنه صلى الله عليه وسلم إذا دخل قرية أو شارف على دخولها، قال:- ( اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها ) رواه النسائي ، وكان إذا نزل منزلاً قال: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) رواه مسلم .
وكان إذا قضى حاجته من سفره، ورجع إلى أهله، ذكر دعاء السفر السابق، وزاد: ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) رواه البخاري .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في السفر أخذه بما رخصه الله له، ومن ذلك قصر الصلاة الرباعية ركعتين، والفطر إذا شق عليه الصوم، والمسح على الخفين مدة ثلاث أيام بلياليهن، ولم يحفظ عنه أنه صلى في أسفاره السنن الرواتب، إلا سنة الفجر والوتر، فإنه لم يكن يدعهما في حضر ولا سفر.
ومن جملة ما نهى عنه – صلى الله عليه وسلم- في السفر: اصطحاب الكلب والجرس، وفي هذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ) رواه مسلم .
ومما نهى عنه عليه الصلاة والسلام سفر المرأة بدون محرم، لما يترتب عليه من حصول الفتنة والأذية لها، فقد قال – صلى الله عليه وسلم: ( لا تسافر امرأة إلا ومعها محرم ) رواه البخاري .
وكذلك نهى – صلى الله عليه وسلم – أن يطرق المسافر أهله ليلاً، ففي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ( إذا طال أحدكم الغيبة ، فلا يطرق أهله ليلاً ) رواه البخاري ، وعنه أيضاً أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يطلب عثراتهم ) رواه البخاري .
فالزم هدي نبيك صلى الله عليه وسلم في حياتك كلها، تنعم بالسعادة في الدنيا والآخرة.