يعرف علماء النفس أعراضا تصيب بعض الرجال والنساء في عقد الأربعينات، ويطلقون عليها أزمة منتصف العمر. وتنشأ هذه الأزمة عادة من إحساس الفرد بأنه قطع شوطا غير قليل من عمره ولم ينجز بعد شيئا مما كان يتمناه لنفسه. أو إحساسه بأنه يودع مرحلة الشباب ويدخل طور الشيخوخة، وبالتالي فعليه أن يسرع بالاستمتاع بحياته قبل أن يسرقه الزمان ويضيع العمر.
ومن تصبه أزمة منتصف العمر يبدأ في التساؤل عن جدوى وظيفته، وما الذي حققه منها؟! ثم يقارن باستمرار بين ما حققه زملاؤه وأصدقائه من نجاح مادي أو مهني وبين ما لديه.
وتكون نتيجة المقارنة دائما محبطة بالنسبة له، الأمر الذي يدخله في دائرة من الضيق والملل.
هذا في الجانب المهني والمادي، أما من الجانب العاطفي فكثيرا ما يشعر من يمر بهذه الأزمة بأنه لم يجد الحب الحقيقي الذي يملأ عليه مشاعره، وأنه يضحي بسعادته على مذبح التزامه تجاه أسرته، ومن ثم يقرر أحيانا الدخول في تجربة عاطفية جديدة بغض النظر عن العواقب.
وأزمة منتصف العمر تحظى باهتمام خاص في المجتمعات الغربية بسبب قسوة العمل وشدة المنافسة مما يجعل الفرد في بداية حياته يسخّر كل ما لديه من قدرات لتحقيق النجاح.
فأن تحقق بعد سنوات من العمل الشاق بدأ يفكر فيما ضاع من عمره وكيف يمسك بتلابيب الباقي.
والجديد الذي اكتشفه باحثان شابان في علم النفس أن أزمة منتصف العمر زحفت إلى الشباب في المجتمعات الغربية.
وحسبما يقول الباحثان الكسندرا روبينز وآبي ويلنر: "كان الناس يفكرون في أنهم لابد أن ينجزوا شيئا ما عندما يصلون لسن الخامسة والاربعين. أما الآن فإنهم يفكرون بنفس الطريقة في سن الخامسة والعشرين."
أما أسباب هذا التطور الجديد فيشرحها الباحثان في الدراسة التي نشرت تحت عنوان: "أزمة ربع العمر: تحديات فريدة تواجهها في العشرينات من عمرك." ويقع على رأس إسباب إزمة ربع العمر ثورة الإنترنت.
وأدت الثورة في تكنولوجيا المعلومات إلى إتاحة الفرصة لشباب كثيرين في العشرينات لتحقيق دخول عالية والحصول على وظائف ممتازة بشكل لم يكن متاحا للاجيال السابقة. وبالتالي تزايدت التوقعات بتحقيق نجاح كبير قبل ان تنقضي فترة العشرينات من العمر.
وإذا نظر شاب إلى زميله الذي يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات ويتقاضى راتبا ضخما بينما هو يؤدي عملا تقليديا بأجر تقليدي، فمن الطبيعي أن يشعر بأنه لم ينجح، وأن زملاءه تفوقوا عليه.
وإذا سيطر هذا الشعور على ذهن الفرد فإنه يدفعه لأزمة شبيهة بأزمة منتصف العمر رغم أنه في العشرينات لا الأربعينات.
سبب آخر يقدمه عالم النفس البريطاني ديك بايلز لأزمة ربع العمر وهو الثقافة السائدة بين كثير من الشباب، وتتلخص في " اعمل بأقصى ما تستطيع، واستمتع بأقصى ما تستطيع." والنتيجة هي حياة مهنية ناجحة وحياة شخصية فاشلة.
وبعد بضع سنوات من الحياة بهذه الطريقة يشعر الشاب بالفراغ العاطفي وبأن عمله يهدر عمره بلا سعادة حقيقية, ويدخل في أزمة ربع العمر.
والنصيحة التي يقدمها لك علماء النفس لتجنب أزمة ربع العمر هي ألا تحاول أن تحمل نفسك ضغوطا فوق طاقتك، وألا يدفعك الطموح الشديد إلى اعتصار نفسك اعتصارا؛ لأنك بهذا تحرق قدراتك وطاقاتك بسرعة.
فعليك أن تتذكر أن الحياة ليست نجاحا ماديا فقط ، بل إن هناك جوانب أخرى كثيرة يمكن أن تحقق لك السعادة والاستقرار النفسي، مثل مشاركة الحياة مع من تحب، ومثل التمتع بجو أسري جميل.
ويبدو أن عالم اليوم ـ القائم على ثورة المعلومات والاتصالات وحرية المنافسةـ أضاف الكثير لتقدم الانسان. لكنه أضاف قدرا لا يستهان به لتعاسته، وأصبح شباب اليوم يعانون من ازمات الشيوخ.
تعليق:
هذه حياة شباب الغرب والمتشبهين بهم ، أملهم تحقيق أكبر دخل مادي ثم إنفاق هذا الدخل في تحقيق أكبر قدر من اللذة والمتعة بأي صورة من الصور ، فإذا فشلوا في تحقيق ذلك فإنها التعاسة التامة والإحباط الكامل .. وصدق الله إذ يقول : " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ".