اليورانيوم المنضب والحرب على الفلسطينيين
07/10/2002| إسلام ويب
لم تأخذ قضية استخدام اليورانيوم المنضب من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين العزّل، قسطها من الاهتمام الدولي، سواء أكان ذلك على صعيد الحكومات أم المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال السلاح النووي وحقوق الانسان. لقد ذهبت معظم المطالبات الفلسطينية المتكررة من أجل إرسال لجان تفتيش للتحقيق في هذه المسألة سدىً، لكن إحدى هذه المطالبات العبثية أنجبت وبعد عملية قيصرية نفذتها لجان العمل الصحي الاميركية، لجنة يتيمة قامت بزيارة دامت ثلاثة أيام فقط للأراضي الفلسطينية. وحين فرغت اللجنة من عملها وزياراتها الميدانية، بادر القائمون عليها بكتابة تقرير هزيل، لعله أشد هزالا من تقرير الأمم المتحدة عن جنين، برغم أن تقرير اللجنة جاء بعد زيارة ميدانية، لكن الأمر اللافت للانتباه، أن اللجنة رفضت نشر التقرير زاعمة أنها لم تتمكن من الوصول إلى نتائج ذات أهمية تذكر، وأن لا ضرورة ملحة لنشر التقرير.
وحرصاً على معرفة الحقيقة، وإزالة الغموض الذي اكتنف التقرير غير المنشور، فقد قامت منظمتنا بالاتصال بالسيد (هينك فان دير كور)، وهو أحد أعضاء اللجنة ويعمل في اطار منظمة لاكا (LAKA) الهولندية الناشطة في المجال النووي واليورانيوم لسؤاله عن حقيقة نتائج التقرير المذكور. يقول السيد فان دير كور: إن أعضاء اللجنة لم يتمكنوا من التوصل إلى نتائج مهمة في الاراضي الفلسطينية. وفي هذا السياق بادر السيد كور بتزويدنا بنسخة من التقرير، لنطلع بأنفسنا على حقيقة ما يقول، مع تشديده على عدم النشر. وبعد إطلاعنا على التقرير كانت لنا ملاحظات ومآخذ، نورد في ما يأتي بعضاً منها بشكل مختصر:
أولاً: التقرير الذي يقع في ثلاث عشرة صفحة لا يمكن اعتماده كوثيقة علمية؛ لعدم اتباعه الأسلوب العلمي المتعارف عليه في كتابة تقارير من هذا النوع، ولعدم تضمنه لأية إحصائيات أو جداول تبين نتائج فحص الإشعاع، حتى وإن كانت سلبية، بمعنى أنها تنفي وجود أي تلوث لانخفاضها ، الأمر الذي كان سيخدم- حتماً- مزاعم الفريق حول خلو المناطق الفلسطينية، التي تمّ فحصها، من أي تلوث.
ثانياً: لم ترد في التقرير أية إشارة إلى أخذ عينات من المياه، لإجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من عدم تلوثها. لكن ما تم إجراؤه على أرض الواقع، اقتصر على قياس الإشعاع للتربة. وقد جاء ذلك رغم معرفة أعضاء الفريق للحقيقة العلمية البسيطة التي اعترف بها حتى البنتاغون (الذي يرفض عادة الخوض في التفاصيل المتعلقة باليورانيوم) وهي أن اليورانيوم المنضب يخلّف بعد انفجاره أوكسيد اليورانيوم الذي يتطاير على شاكلة غبار لينتقل مع الرياح ليصل إلى التراب والماء.
ثالثاً: ذكر التقرير وصفاً لحالة عقيد فلسطيني التقاه أحد أعضاء الفريق في مركز صحي تابع للسلطة الفلسطينية، وكانت حالته كما وصفها التقرير مشابهة لأعراض يعاني منها جنود شاركوا في حرب الخليج والبلقان على حد سواء، لكن اللجنة لم تقم بشيء يذكر للتأكد من احتمال تعرض العقيد لليورانيوم، خصوصا وأنه كان قد ذكر للجنة ان حالته بدأت تسوء بشكل تدريجي، بعد قيامه بزيارة ميدانية لموقع قصفته القوات الإسرائيلية، إلى أن وصل إلى حالته المأساوية التي وجد عليها. يأتي هذا الإهمال من قبل الفريق فيما يخص حالة العقيد (مصلح علي محمد عريقات) في الوقت الذي ذكر فيه التقرير أن جهاز فحص الإشعاع المستخدم تمكن من رصد قراءات عالية للتلوث لكن هذه القراءات تم إهمالها كما يقول التقرير تارة لاحتمال تأثرها بالدخان المتصاعد من السيارات، ومن المباني المهدمة تارة اخرى.
لذلك، واستنادا إلى النقاط الآنفة الذكر ونقاط أخرى لا تقل أهمية، فإن تقرير اللجنة يعد دليلا صارخا على وجود خلل ما في تركيبة اللجنة من حيث تقصيرها، في إجراء الفحوصات التي كلفت أساسا للقيام بها في الأراضي الفلسطينية، هذا إن استبعدنا وجود ضغوط خارجية على أعضاء الفريق.
هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فلقد ذكرت منظمة فيزي (VISIE) الهولندية الناشطة في مجال السلاح النووي، مؤخرا أن مصدرا طبيا أردنيا أكد أن أحد الجرحى الفلسطينيين الذين جيء بهم للعلاج في المستشفيات الأردنية، كان قد أصيب بعيار ملوث باليورانيوم المنضب، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول الكمية والنوعية التي يتم استخدامها من قبل جيش الاحتلال في حملاته اليومية في الأراضي المحتلة.
تطرح احتمالية استخدام اليورانيوم المنضب ضد الفلسطينيين، تساؤلات عدة حول مدى منطقيتها، خاصة مع معرفتنا بأن آثار اليورانيوم المدمرة لا بد وأن تصل إلى <<الشعب الاسرائيلي>> سواء أكان ذلك عن طريق الرياح أو المياه. ولعلنا نستطيع حل هذه الإشكالية بالاستناد إلى احتمال استخدام هذه المادة بتركيز أخف فيما لو قورنت بتلك التي تم استخدامها ضد العراق مثلا. حيث كان الهدف في العراق إحداث دمار شامل للبنية التحتية والمباني، خصوصا وأن القوات الأميركية لم تتمكن من غزو أرض العراق برا، بل اقتصرت على القصف الجوي بالصواريخ والقذائف. لذلك فقد مثل استخدام اليورانيوم المنضب حينها، نظرا لقدرة الأسلحة المشبعة بهذه المادة، على اختراق المباني والمنشآت والمصفحات وتدميرها بشكل كلي، حلا تقنيا لتحقيق الهدف المرجو من القصف. أما في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن بإمكان الدبابات والجرافات الإسرائيلية أن تصل الى عقر دار أيّ كان، وليصبح الهدف بذلك في متناول أيديهم ولن يتطلب هدمه سوى تفجير <<محدود>> للموقع. لذلك فإن الخاصية التي يمتلكها اليورانيوم المنضب من حيث قدرته على التدمير الشامل <<عن بعد>>، بتراكيزه العالية كانت من <<ضروريات>> الحرب ضد العراق حينها، اما في الحرب التي يقودها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فإن استخدام اليورانيوم بالتراكيز العالية تلك لا مبرر أخلاقياً له.
فلقد كان الغرض من اختيار مادة اليورانيوم المنضب في الحرب ضد العراق، تحقيق دمار شامل وإلحاق أكبر عدد من الضحايا وتهديم البنية الصحية للمجتمع العراقي. أما فيما يخص الفلسطينيين فإن الهدف الأساس لاستخدام اليورانيوم كان ولا يزال ذا بعد ديمغرافي هام جدا لا يمكن إغفاله، كون استخدامه بتراكيز عالية، لا يتسبب في سقوط نسب عالية جدا من المدنيين الفلسطينيين نتيجة أمراض السرطان أو غيرها وحسب، بل سيطال حتما الجنود و<<المدنيين>> من الجانب الإسرائيلي أيضا، وهي خسائر نوعية كبيرة لا تستطيع إسرائيل تحمّلها.
إن اليورانيوم، إذا لم يتسبب بمرض قاتل ومباشر، فإنه سيؤدي على المدى القصير، ولا شك إلى حالات إجهاض مستمرة لدى النساء، ناهيك عن التشوهات الخلقية في الولادات، وهذا ما يعيدنا إلى البعد الديموغرافي للمسألة.
لكن حتى وإن استبعدنا الفكرة العنصرية العرقية في السياسات الحربية، فإننا سنواجه بحقيقة أخرى وهي أن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا كل على حدة <<ضحّت>>، ولا تزال تفعل ذلك، ببعض جنودها في العراق والبلقان وأفغانستان، من أجل أهداف سياسية محددة، فما بالكم، ونحن نتحدث عن إسرائيل، التي طالما اشتهرت باستخدام أقذر الوسائل للوصول إلى أهدافها الصهيونية، وهي لن تبخل ببضع عشرات أو مئات من جنودها من أجل تحقيق هدفها في التصفية العرقية للفلسطينيين، مدركة بأن خسارة كهذه يمكن تعويضها بجلب آلاف آخرين من يهود العالم، في إطار حملات جذب اليهود وما يتبعها من مغريات <<للعودة>> إلى إسرائيل.
مقررة منظمة <<أصوات ضد اليورانيوم المنضب>> هولندا
www.islamweb.net