وفاة شيخ المقرئين الشيخ محمود خليل الحصري يوم الإثنين 16 المحرم سنة 1401هـ (1980م):
الشيخ محمود خليل الحصري من أقطاب التلاوة والترتيل وشيخ مشايخ قراء القرآن الكريم، ليس في مصر وحدها وإنما في العالم الإسلامي كله.
لم يكن مجرد قارئ للقرآن أو صاحب صوت يهز الوجدان، بل كان صاحب مدرسة فريدة وأداء متميز، صوت زكي ندي، وأداء رائع يشنف الأسماع بتلاوة عطرة وقراءة خاشعة وحسن مخارج واهتمام بالوقف والابتداء.
كان الشيخ الحصري شيخ عموم المقارئ المصرية ورئيس لجنة المصاحف وهو أول من سجل المصحف المرتل للإذاعة وصاحب المصحف المعلم،وهو أول من سجل المصاحف المرتلة بالقراءات السبع ورواتها، وفتحت له إذاعات العالم أبوابها لينطلق صوته الرخيم بالترتيل القرآني العظيم عبر الأثير، فملأ الدنيا بصوته آيات مباركات وما زال صوته حتى اليوم ملء الأسماع والقلوب.
كان الشيخ الحصري عالما في القراءات القرآنية العشر ومعرفة طرق رواتها وأسانيدها، وكان مراجعا لكتاب الله في الإذاعة مختبرا للقراء الجدد وكان عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
رتل الشيخ القرآن الكريم فى كثير من المؤتمرات، وزار كثيرا من البلاد العربية والإسلامية الآسيوية والإفريقية.
وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى، وكان حريصا في أواخر أيامه على تشييد مسجد ومعهد ديني ومدرسة تحفيظ بمسقط رأسه قرية شبرا النملة، وأوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم و حُفَّاظه، و الإنفاق في كافة وجوه البر، و كذلك قام بتشييد مسجد ودار تحفيظ للقرآن الكريم، بمقر إقامته (العجوزة)، بمدينة 6 أكتوبر بالقاهرة.
ونظراً لدوره الرائد في نشر كتاب الله في مشارق الأرض ومغاربها حصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، كما حصل على العديد من الأوسمة والنياشين من ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية.
جدير بالذكر أن جمعية ومسجد الشيخ الحصري رحمه الله بإشراف ابنته حاليا، لها أنشطة خيرية وثقافية كبيرة تضم في مرافقها مركزا لتحفيظ القرآن الكريم، و مركزا لرعاية الأيتام، كما أنَّ بها مركزا للمغتربات، ودارا للمسنين، ومعهدا أزهريا وخدمات طبية وفقهم الله لكل خير.
نشأته
ولد فضيلة الشيخ القارئ محمود خليل الحصري في غرة ذي الحجة سنة 1335هـ، الموافق 17من سبتمبر عام 1917، بقرية شبرا النملة، مركز طنطا بمحافظة الغربية بمصر.
نشأ في كنف والده، الذي كان حريصا عليه، ساعيا في خيره فقد نذر ابنه لحفظ القرآن الكريم وخدمته، فسعى في إعداده لذلك منذ نعومة أظفاره.
فألحقه بالكتاب في سن الرابعة من عمره، فعكف على حفظ القرآن الكريم وتعلمه، إلى أن أتمَّه في سن مبكرة وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره.
ثم التحق بالمعاهد الدينية الأزهرية بطنطا وتوجهت همته بقوة إلى العلوم الشرعية بصفة عامة، وإلى علم التجويد والقراءات بصفة خاصة، لما كان يتمتع به رحمه الله من حسن صوت، وسرعة حفظ، وتميز في الأداء.
استمر الشيخ رحمه الله في دراسته بالمعاهد الأزهرية ينهل من معين مشايخها، حتى أتم المرحلة الإعدادية والثانوية العامة، ثم انقطع بعدها ليتفرغ لتخصصه المفضل لديه، وهو علم القراءات والتجويد، فكان أول أخذه للقراءات على يد شيخه إبراهيم بن أحمد سلاَّم المالكي رحمه الله، فأخذ عنه القراءات السبع والعشر الصغرى بالمسجد الأحمدي بطنطا.
تزوج الشيخ رحمه الله - في سن مبكرة من عمره - وهو لم يجاوز الحادية والعشرين من عمره، ولم يكن زواجه بالذي يثقله عن مواصلة مسيرته، فقد كانت زوجه نعم المعين لزوجها.
إلى الإذاعة
ظل الشيخ رحمه الله بعد زواجه مقيما بقريته - شبرا النملة -، إلى أن كانت سنة 1944 م والتي بدأت فيها رحلة الشيخ رحمه الله مع الشهرة الكبيرة، وذيوع الصيت في الآفاق، ولم يكن يوما يسعى لذلك، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ففي عام (1362هـ، الموافق 1944 م)، تقدم الشاب محمود خليل الحصري رحمه الله بطلب للإذاعة بتحديد موعد لامتحانه وتم بالفعل تحديد تاريخ الامتحان، واجتازه الشاب محمود بنجاح وامتياز، فقد كان أداؤه الأول بين المتقدمين إلى الامتحان، ولإعجاب الإذاعة بصوته ولدقة أداءه وإتقانه، تم التعاقد معه في اليوم نفسه، لأن يكون قارئا بالإذاعة، فكان للشيخ رحمه الله بعدها الفرصة لأن يسمع تلاوته جماهير المسلمين شرقا وغربا.
وكان له ذلك بحمد الله، فكانت أول قراءة له على الهواء مباشرة من الإذاعة المصرية، في يوم 16نوفمبر سنة 1944م، وظل هذا الصوت الزكي الندي، والأداء الرائع، يشنف الأسماع بالتلاوة العطرة، عبر أمواج أثير الإذاعة المصرية، على مدى عقود من الزمان.
أول من سجل المصحف المرتل بصوته
بعد تعيينه رحمه الله شيخا لعموم المقارئ المصرية، بدأت رحلته في موكب التسجيل الصوتي للقرآن الكريم، وفي رحاب المصحف المرتل، فكان أول من سجل المصحف المرتل، كاملا برواية حفص عن عاصم رحمهما الله، سنة 1961م الموافق 1381هـ، ليدخل التاريخ الإسلامي العريق الحافل، من أعظم أبوابه (بوابة القرآن الكريم) واستمر عمله وعطاؤه في هذا الميدان، وفي هذا العمل العظيم الجليل، فسجل عدة مصاحف أخرى، منها مصحف برواية ورش عن نافع رحمهما الله سنة 1964م الموافق 1384هـ، وآخران برواية قالون عن نافع رحمهما الله، وبرواية الدوري عن أبي عمرو البصري رحمهما الله، سنة(1968م الموافق 1388هـ)،وكذا المصحف المجود، والمصحف المعلم سنة (1968م، 1388هـ) أيضا.
من مناصبه
عين الشيخ قارئاً بالمسجد الأحمدي بطنطا (1370هـ - 1950 م).
ثم في عام 1375 هـ الموافق 1955 م انتقل عمله للقاهرة كقارئ للسورة بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، على إثر وفاة قارئه الأسبق، وعلى إثر ذلك انتقلت إقامته رحمه الله إلى القاهرة.
واستمر رحمه الله على ذلك العمل والعطاء، إلى أن كانت سنة 1377 هـ ، الموافق 1957 م حيث عين رحمه الله مراجعا ومصححا للمصاحف بالأزهر الشريف.
وفي سنة 1958 م تخصص في علوم القراءات ونال شهادة علوم القراءات العشر من الأزهر الشريف.
ثم عين رحمه الله وكيلا لمشيخة المقارئ المصرية، والتي كان يرأسها وكان شيخا لها آن ذاك شيخه العلامة على بن محمد الضباع رحمه الله.
وبعد وفاة الشيخ الضباع سنة 1960م، خلفه تلميذه ومحبه الشيخ محمود خليل الحصري رحمه الله، على كرسي مشيخة عموم المقارئ المصرية، وهو لا يتجاوز الخامسة والأربعين من عمره المبارك.
ثم تم تعيينه رحمه الله نائبا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف سنة 1962م، ليعين بعدها بسنة واحدة 1963م رئيسا للجنة.
وفي السنة نفسها عين رحمه الله مستشارا فنيا لشؤون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف.
ثم عين رحمه الله سنة 1967م خبيرا فنيا لعلوم القرآن والسنة بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.
وانتخب الشيخ رئيسا لاتحاد قراء العالم الإسلامي سنة 1968م.
مؤلفاته :
للشيخ الحصري أكثر من عشر مؤلفات فى علوم القرآن الكريم، نذكر منها :
1. أحكام قراءة القرآن الكريم.
2. القراءات العشر من الشاطبية و الدرة.
3. معالم الإهتداء إلى معرفة الوقف و الإبتداء.
4. فتح الكبير في أحكام الإستعاذة و التكبير.
5. أحسن الأثر فى تاريخ القراء الأربعة عشر.
6. مع القرآن الكريم.
7. رواية ورش عن نافع المدنى.
8. رواية الدورى عن أبى عمرو البصري.
9. نور القلوب فى قراءة الإمام يعقوب.
10. السبيل الميسر فى قراءة الإمام أبى جعفر.
11. حسن المسرة فى الجمع بين الشاطبية و الدرة.
12. رواية قالون عن نافع.
13. رحلاتى فى الإسلام.
و له مقالات عديدة فى مجلة لواء الإسلام
وفاته
توفى الشيخ مساء يوم الإثنين 16 المحرم سنة 1401هـ، الموافق 24 نوفمبر 1980م، فور انتهائه من صلاة العشاء، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته .