مفهوم الأسرة الممتدة في السنة النبوية
18/08/2024| إسلام ويب
مفهوم الأسرة يتعدد بحسب الثقافات والتصورات الدينية والقانونية والإنسانية، وبناء على تلك الثقافات تتسع الأسرة وتضيق، فيرى البعض أن الأسرة هي الرابطة بين شخصين من غير نظر لنوع الرابطة بينهما، وقد تتوسع لتشمل الأبناء، وقد يجعلها البعض مرتبطة بالسكن.
مفهوم الأسرة في الإسلام:
يقدم الإسلام مفهوما متفردا للأسرة، بناء على نوع الرابطة بين أفرادها، وطبيعة العلاقة بينهم، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، فالأسرة تنشأ أول ما تتشكل بناء على رابطة الزوجية المعلنة من خلال ولي رشيد، وشهود عدول، وتراض بين الزوجين، ثم تنشأ على إثر تلك الرابطة حقوق وواجبات متبادلة، فهذه النواة الأساسية للأسرة، ولكن الإسلام لم يهمل الروابط الأخرى، بل إن للأسرة أصولا هم الآباء والأمهات والأجداد والجدات، وفروعا هم الأبناء والبنات وما تفرع عنهم، والحواشي وهم الإخوان والأخوات وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم، ويشملهم جميعا التعبير القرآني بذوي القربى.
وقد أوضحت لنا السنة النبوية أن الأسرة لا تتوقف في دائرة الأب والأم، بل تتسع لتشمل كل ذي قرابة، ولكن يبدأ الترتيب من الأبوين، كما في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله! مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتي؟ قال: "أُمُّكَ"، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: "أُمُّكَ"، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: "أُمُّكَ"، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أبوكَ". ويُروَى: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أَباكَ، ثُمَّ أَدْناكَ أدناك".
مميزات الأسرة الممتدة:
لا شك أن مسؤولية تنشئة الأولاد تقع على عاتق الوالدين، ولكن الأسرة الممتدة تقدم دورا مساندا لهما، فينشأ الأولاد في ظلال هذه الأسرة الواسعة، يتلقى عنها الكثير من المفاهيم والأخلاق والقيم ومحاسن العادات.
وتقدم الأسرة الممتدة دورا أصيلا في حال الغياب أو الفقد للوالدين أو أحدهما، فالعم بمنزلة الأب كما في الصحيحين عن أبي هريرة "يا عمر! أما علمتَ أن عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ" قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: أي مثل أبيه، وفيه تعظيم حق العم. أ. هـ.، وقال عن الخالة: كما في حديث البراء في صحيح البخاري: "الخالة بمنزلة الأم". فلها الأولوية بالحضانة بعد الأم، وهي في الميراث من ذوي الأرحام، وتنزل منزلة الأم.
وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله، قال: أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله»؛ لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمه آمنة، وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاعة كما قال ابن حجر في فتح الباري.
وهذا احتفاء منه صلى الله عليه وسلم بقرابته من سعد ولو لم تكن قرابة مباشرة، ما يدل على أن أخوال الرجل قرابة تستحق الاهتمام والرعاية.
قال الطيبي في شرح المشكاة: الفاء في قوله (فليرني) على تقدير الشرط في الكلام، فإن الإشارة بهذا لمزيد التمييز وكمال التعيين، فهو كالإكرام له، أي: أنا أكرم خالي هذا، وإذا كان كذلك فليتبع كل سنتي، فليكرمنَّ كلُّ أحد خالَه. أ.هـ.
الأسرة الممتدة في التطبيقات النبوية:
وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم دورا تطبيقيا يتجسد فيه معنى الأسرة الممتدة على أقاربه وأبناء عمومته، من ذلك ما راوه ابن إسحاق في سيرته قائلا: " كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له وأراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير: فقال رسول الله صلى الله عليـه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس مـا ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت رجلا، فنكلهمـا عنه. فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك مـن عيالـك حتـى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبوطالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا، فاتبعه علي رضي الله عنه وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عنـد العباس حتى أسلم واستغنى عنه". أ.هـ.
وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أثر على كثير من قراباته، ومن أبرزهم ابن عمه عبد الله بن عباس، يقول صاحب كتاب رجال حول الرسول: "تلقى ابن عبـاس في حداثته كل خامات الرجولة، ومبادئ حياته من رسول اﷲ صلى اﷲ عليه وسلم الـذي كـان يـؤثره ، ويزكيه، ويعلمه الحكمة الخالصة".
ومن يطالع السنة النبوية سيجد ما يؤكد الاهتمام بمفهوم الأسرة الممتدة سواء في ذلك الروايات النظرية أو التطبيقات النبوية العملية، وأن الأسرة في مفهوم الإسلام الواسع تربي وتساند وتعاون وتغرم وتساعد، وضياع هذا المفهوم وتقزيمه له مردود سلبي على الحياة الاجتماعية، والنموذج الغربي خير شاهد على ما نقول من تحلل الأسرة بمفهومها الواسع، وضياع أفرادها، وانقطاع الصلات والروابط بينهم، وعلى هامش تلك الحياة البائسة تعمقت النزعة الفردية، فعاد على هذا الإنسان بالضياع، وحرمانه ممن يسانده أو يقف معه وقت ضعفه وشدائده.