مِنْ أسماءِ الله الحُسْنَى (السَّميع)

13/10/2024| إسلام ويب

أسماء الله تعالى ـ كما هو مقرر عند أهل السُنة ـ توقيفية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص. قال أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني: "ويعتقدون ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمَّى ووصف بها نفسَه، ووصفه بها نبيُّه صلى الله عليه وسلم". وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص.. ولأن تسميته تعالى بما لمْ يُسَمِّ به نفسه، أو إنكار ما سَمَّى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص".

ومِن أسماء الله تعالى الحُسنى "السميع"، فإنه ـ سبحانه ـ السميع العليم، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات، ووسع سمعه الأصوات، الخفيّة والجلية، على اختلاف اللغات وتفنن الحاجات، فالقريب منه والبعيد، والسر والعلانية سواء، قال الله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}(الرعد:10). قال البغوي: " قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} أي: يستوي في علم الله المُسر بالقول والجاهر به، ومَنْ هو مستخف بالليل، أي: مستتر بظلمة الليل، وسارب بالنهار، أي: ذاهب في سربه ظاهرا". وقال الطبري: "أيها الناس، الذي أسر القول، والذي جهر به، والذي هو مستخفٍ بالليل في ظلمته بمعصية الله عز وجل. {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} يقول: وظاهر بالنهار في ضوئه، لا يخفى عليه شيء من ذلك. سواء عنده سِرُّ خلقه وعلانيتهم، لأنه لا يستسرّ عنده شيء ولا يخفى". وقال الخطابي: "السميع: هو الذي يسمع السر والنجوى، سواء عنده الجهر والخفوت، والنطق والسكوت".
والسماع قد يكون بمعنى القبول والإجابة، فمن معاني "السميع": المُستجيب لعباده إذا توجهوا إليه بالدعاء وتضرعوا، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن علْمٍ لا ينفع، وعملٍ لا يُرفَع، ودعاءٍ لا يُسْمَع) رواه أحمد. قال الطيبي: "(ومِن دعاء لا يُسْمَع) أي: لا يُستجاب ولا يُعْتَد به، فكأنه غير مسموع". وقال الشيخ ابن عثيمين: "ومن معاني السميع أنه سميع الدعاء، أي مجيب الدعاء، كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}(إبراهيم:39)".
وقال ابن القيم في قصيدته "النونية":

وهو السميع يرى ويسمع كل ما   في الكون مِنْ سرٍّ ومِنْ إعلانِ
ولكل صوت منه سمعٌ حاضرٌ     فالسِرُّ والإعلان مستويانِ
والسمع منه واسعُ الأصواتِ      لا يخفى عليه بعيدها والداني

وقد رد اسم الله عز وجل "السميع" في القرآن الكريم أكثر من أربعين مرة، وكذلك ورد أيضاً في الكثير من الأحاديث النبوية، ومن ذلك:
1 ـ قال الله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة:137). قال السعدي: "وعَد الله رسولَه أن يكفيه إياهم، لأنه السميع لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، العليم بما بين أيديهم وما خلفهم، بالغيب والشهادة، بالظواهر والبواطن، فإذا كان كذلك، كفاك الله شرهم".
2 ـ قال سبحانه وتعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(المائدة:76). قال ابن كثير: "أي: فلِمَ عدَلْتُم عن إفراد السميع لأقوال عباده، العليم بكل شيء إلى عبادة جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا، ولا يملك ضرا ولا نفعا لغيره ولا لنفسه".
3 ـ قال الله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الإسراء:1). قال ابن كثير: "أي: السميع لأقوال عباده، مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذبهم، البصير بهم فيعطي كلا ما يستحقه في الدنيا والآخرة".
4 ـ وقال عز وجل: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(لقمان:28). قال الطبري: "إن الله سميع لما يقول هؤلاء المشركون ويفترونه على ربهم، من ادّعائهم له الشركاء والأنداد وغير ذلك من كلامهم وكلام غيرهم، بصير بما يعملونه وغيرهم من الأعمال، وهو مجازيهم على ذلك جزاءهم".
5 ـ قال تعالى: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}(سبأ:50). قال السعدي: "إن ربي {سَمِيعٌ} للأقوال والأصوات كلها {قَرِيبٌ} ممن دعاه وسأله وعبده".
6 ـ قال عز وجل: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}(إبراهيم:39). قال الطبري: "يقول: إن ربي لسميع دعائي الذي أدعوه به".

ومن الأحاديث النبوية الدالة على اسم الله "السميع":

1 ـ عن أبَان بن عثمان قال: سمعتُ أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء) رواه أبو داوود.
2 ـ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنَّا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم في سفَر، فكنَّا إذا علوْنا كبَّرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! اربعوا على أنفسكم (ارفقوا بأنفسكم)، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) رواه مسلم. وفي رواية: (إنما تَدعونَ سميعاً بصيرا). قال ابن بطال: "قال المهلب: إنما نهاهم - والله أعلم - عن رفع الصوت إبقاء عليهم ورفقًا بهم، لأنهم كانوا في مشقة السفر فأراد: اكلفوا من العمل ما تطيقون وكان بالمؤمنين رحيمًا، ثم أعلمهم أن الله يعلم خفي كلامهم بالتكبير كما يسمع عاليه، لأنه سميع قريب". وقال الشيخ ابن عثيمين: "فإنكم لا تدعو أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا مجيبا قريبا، وهو الله عز وجل، لا يحتاج أن تجهدوا أنفسكم في رفع الصوت عند التسبيح والتحميد والتكبير، لأن الله تعالى يسمع ويبصر، وهو قريب جل وعلا مع أنه فوق السماوات، لكنه محيط بكل شيء جل وعلا".
3 ـ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة (خَوْلَة بنت ثَعلبة) إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها وما أسمع ما تقول، فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}(المجادلة:1)) رواه البخاري. وفي رواية: (تبارَكَ الَّذي وسِعَ سمعُهُ كلَّ شيءٍ، إنِّي لأسمع كلام خَولة بنت ثَعلبة ويخفَى علَيَّ بعضُه، وَهيَ تشتَكي زَوجَها إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.. فما برِحَتْ حتَّى نزلَ جِبرائيل (جبريل) بِهَؤلاءِ الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}). قال القسطلاني: "وقد عُلِم بالضرورة من الدين، وثبت في الكتاب والسُّنّة بحيث لا يمكن إنكاره ولا تأويله أن الباري تعالى سميع بصير وانعقد إجماع أهل الأديان بل جميع العقلاء على ذلك". وقال الشيخ ابن عثيمين: "والله تعالى سمعها مِنْ على عرشه وبينه وبينها ما لا يعلم مداه إلا الله عز وجل، ولا يمكن أن يقول قائل: إن سَمْع الله مثل سمعنا".
4 ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (اجتمع عند البيت ثلاثة نفر، قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم. فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ وقال الآخر: يسمع إنْ جهرنا، ولا يسمع إنْ أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله تعالى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ}(فصلت:22)) رواه البخاري. قال ابن هبيرة: "ومِن قلة فهم هؤلاء أنهم شبهوا الله تعالى بخَلْقِه مِن أنه يسمع جهر الأصوات دون سرها، ولذلك قال قائلهم: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا.. {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(فصلت:23)، أي أهلككم جهلكم بالله سبحانه في تشبيهكم إياه بخلقه، وإنما أُتوا مِن قِبَل التشبيه، لأنهم قاسوا سمع الله سبحانه على سمع الآدمي الذي يسمع الجهر دون السر". وقال الكرماني: "والمقصود من الباب إثبات علم الله تعالى والسمع، وإبطال القياس الفاسد في تشبيهه بالخلق من سماع الجهر وعدم سماع السر، وإثبات القياس الصحيح حيث شبه السر بالجهر لعلة أن الكل بالنسبة إليه تعالى سواء".
5 ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته فيقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشَّيطانِ الرجيم) رواه أبو داود.

ثمرات الإيمان باسم الله "السميع":
ـ مِن ثمرات العلم والإيمان باسم الله "السميع": إثبات صفة السَّمع لله عز وجل، مع العلم أنَّ سمع الله سبحانه ليس كسمْع أحدٍ من خلْقِه، فإنَّ المخلوق وإنْ وُصِف بالسَّمع والبصر كما في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}(الإنسان:3)، إلاَّ أنَّ سمْعَه وبصره ليس كالخالق عز وجل، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). قال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11)". وقال القرطبي: "والذي يُعْتقد في هذا الباب أن الله جلَّ اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحُسْنى أسمائه وعَليِّ صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يُشبه به {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}".
ـ ومن ثمرات الإيمان باسم الله "السميع": العلم واليقين بإحاطة علم الله عز وجل بجميع الأشياء والمخلوقات، فَلاَ يُوجَدُ مَلاَذٌ أَمِينٌ، وَلاَ حِصْنٌ حَصِينٌ إِلاَّ بِاللهِ تعالى، فَالأَمْن وَالسَّكِينَة، والْعَافِيَة والثَّبَات، لاَ تَحْصُل إِلاَّ مِنَ السَّمِيعِ الْقَرِيب المجيب سبحانه، ولذلك لما قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهما في الغار أثناء الهجرة: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري.
ـ ومن ثمرات الإيمان باسم الله "السميع": التحلي بمراقبة الله عز وجل، في جَميع الأزْمِنة والأمكِنة، والأقوال والأفعال، والحركات والسكنات، فالله عز وجل يسمع ويعلم كلَّ شيء، لا تَخفى عليه خافية، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}(طه:7). قال السعدي: "المعنى أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، دقيقها وجليلها، خفيها وظاهرها، فسواء جهرتَ بقولك أو أسررْتَه فالكل سواء بالنسبة لعلمه تعالى". 

www.islamweb.net