يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
28/11/2021| إسلام ويب
الصلاة من أهم أركان الإسلام بعد توحيد الله تعالى، ولها من الفضائل ما لها؛ وقد ذكر الله في كتابه تفاصيل أهم شرط من شروطها، ألا وهو الطهارة فقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، فاشتملت هذه الآية على ذكر جملة من أركان الوضوء، ثم ذكرت ما ينوب عن الماء عند فقده أو تعذر استعماله، وبيان ذلك فيا يأتي:
أولًا: يأمر الله تعالى عبادة المؤمنين في هذه الآية بالوضوء عند القيام لكل صلاة، وظاهر الآية يدل على هذا الوجوب، ولكن العلماء أجمعوا على أن الوضوء لا يجب إلا على المُحْدِث، وقدَّروا في الآية مضمرًا ليصبح معناها: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم مُحْدِثون، وفي ذلك يقول ابن كثير: "قال كثيرون من السلف: قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} معناه وأنتم مُحْدِثون"، واستدل العلماء لـما ذهبوا إليه بما رواه الإمام أحمد عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه، وصلى الصلوات بوضوء واحد؛ فقال له عمر: يا رسول الله، إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله؟ قال: «إني عمدًا فعلته يا عمر».
ثانيًا: ذكرت الآية أربعة أركان من أركان الوضوء، يجب على المسلم أن يأتي بها في وضوئه، وهي: غسل الوجه، وحدُّه من أعلى الجبهة إلى أسفل الذقن طولًا، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضًا. وغسل اليدين إلى المرفقين. ومسح الرأس، وذهب الحنابلة والمالكية إلى وجوب مسح الرأس كله، وهذا الرأي أحوط للمسلم. وغسل الرجلين إلى الكعبين، والكعبان هما العظمان الناتئان من جانبي القدم، ثم إن بعض الفقهاء كالشافعية زادوا على هذه الأركان الأربعة ركنين أيضًا، وهما: النية والترتيب، وزادا الحنابلة على ذلك ركنا ثالثًا أيضًا وهو الموالاة، فلا يصح وضوء عندهم بغير هذه الأركان.
ثالثًا: وجوب الاغتسال على الجنب، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} أي فاغتسلوا، فسَّر ذلك قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، فمن كانت به جنابة من إنزال الماء، أو التقاء الختانين؛ فإنه يجب عليه الغسل بالماء أولًا، فإن لم يجد الماء فله أن يتيمم كما سيأتي بيانه.
رابعًا: أن من لم يستطع استعمال الماء كالمريض، أو من كان محتاجًا للماء كالمسافر، أو محدثًا حدثًا أصغر أو أكبر ولم يجد الماء؛ فله أن يتيمم رخصة من الله تعالى، قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} والصعيد هو التراب الطاهر كما قال الشافعي وأحمد، واستدلا بأنه صلى الله عليه وسلم قال: «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا، إذا لم نجد الماء» رواه مسلم. قال ابن كثير: "استدل الشافعي بهذه الآية على أنه لا بد في التيمم أن يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء".
خامسًا: صفة التيمم، قال تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، وروى مسلم عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف له التيمم بقوله: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك»، فيكفي في التيمم ضربة في الأرض يمسح بهما المسلم وجهه وكفيه، وهو مذهب الإمام أحمد.
وبذلك يكون القرآن قد تولى بيان أحكام أهم شرط من شروط الصلاة ألا وهو الطهارة، وذلك بذكر أربعة أركان من أركان الوضوء، ثم بذكر وجوب الغسل على الجنب، وما ينوب عن الماء عند فقدده، أو تعذر استعماله وهو التيمم بالصعيد الطاهر.