أولياء الله عزَّ وجلَّ هم المؤمنون المتقون، فكل مؤمن تقي، هو لله ولي، بقدْر إيمانه وتقواه، فمن جمع بين الإيمان وفعل الأوامر وطاعة الرحمن والتقوى فهذا هو الولي، قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}(يونس:64:62)، قال ابن كثير: "يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما فسَّر ربهم، فكل من كان تقيا كان لله وليا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّه قال: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْب) رواه البخاري. قال ابن حجر: "قوله: (من عادى لي وليا) المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته". وقال ابن تيمية: "بَلْ يُعْتَبَرُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ بِصِفَاتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّة، وَيُعْرَفُون بنُور الإيمان والقرآن وبِحَقائقِ الْإيمان الباطِنة وشرائعِ الإِسلام الظَّاهرة". وقال ابن هبيرة: "وولي الله عز وجل هو الذي يتبع شرع الله. ومعنى قوله: (من عادى لي وليًا) أي: اتخذه عدوًا". وقال ابن عثيمين: "والمعاداة هي المباعدة، وهي ضد الموالاة، والولي بيَّنه الله عز وجل في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُواْ يتَقُونَ}(يونس: 62-63)".
والفرق بين المعجزة والكرامة: أن المعجزة آية من آيات النبوة والرسالة، وهي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي في بعض الأحيان، وأما الكرامة فللأولياء، وهي ظهور الأمر الخارق للعادة على أيديهم وليس على سبيل التحدي، بل يجريه الله تعالى كرامة لهم. قال ابن عثيمين: "أما الكرامات، فهي جمع كرامة، والكرامة: أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى على يد ولي، تأييدا له، أو إعانة، أو تثبيتا، أو نصرا للدين".
وثبوت كرامات الأولياء أمْر أجمع عليه سلف الأمة، فأهل السنة أجمعوا على إثبات كرامات الأولياء اعتماداً على الكثير من النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك:
قال الله تعالى في قصة مريم عليها السلام: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران:37)، قال ابن عباس: "وجد عندها الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد، فكان زكريا يقول: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} قالت: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}". وذكر الطبري في تفسيره: "فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء". وفي قصة سارة زوجة إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}(هود:71-73). قال ابن كثير: "وإن كُنْتِ عجوزا كبيرة عقيما، وبعلك ـ وهو زوجها الخليل عليه السلام ـ، وإن كان شيخا كبيرا، فإن الله على ما يشاء قدير". وفي قصة أصحاب الكهف قال الله عز عنهم: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً}(الكهف:9) إلى أن قال وهو يصفهم بالإيمان والهدى والثبات {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً}(الكهف:14:13)، قال السعدي: "استجاب الله دعاءهم، وقيض لهم ما لم يكن في حسابهم، قال: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} أي أنمناهم {سِنِينَ عَدَدًا} وهي ثلاث مائة سنة وتسع سنين، وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف، وحفظ لهم من قومهم وليكون آية بينة".
الله عز وجل يُكرِمُ أولياءَه ببعضِ الكرامات والفَضائل، وخيرُ أولياءِ اللهِ بعدَ أنبيائِه هم صحابة نبيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وكتب السيَر والتاريخ فيها الكثير من المواقف التي تثبت لكثير من الصحابة والتابعين كرامات أكرمهم الله عز وجل بها. ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ وعبَّادَ بنَ بِشْرٍ كانا عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ ظَلماءَ حِنْدِسٍ (شديدة السواد)، قال: فلمَّا خَرَجا مِن عندِه أضاءَتْ عَصا أحَدِهِما فكانا يَمشيانِ بضَوْئِها، فلمَّا تفرَّقا أضاءَتْ عَصا هذا وعَصا هذا). وفي الحديثِ: مَنْقبةٌ لأُسَيْدِ بنِ حُضَيرٍ وعبَّادِ بنِ بِشْرٍ رضِيَ اللهُ عنهما. وفيه: بيان أَثَرِ الإيمانِ وبركته للمُؤمن، وفيه: إثبات الكرامة وأنَّها تقع لِمَن شاء مِن عِباد الله الصَّالحِين. قال الشنقيطي: "وفي الحديث إكرام الله تعالى لهذين الصحابيين بهذا النور الظاهر، وادَّخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم من ذلكَ وأتم، وفيه دلالة ظاهرة لكرامة الأولياء، والرد على من ينكر ذلك".
وقال المباركفوري في شرح الترمذي: "عمران بن حصين.. كان من علماء الصحابة وكانت الملائكة تسلم عليه". وكان سلمان وأبو الدرداء رضي الله عنهما يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها. وخبيب بن عدي رضي الله عنه كان أسيرا عند المشركَين بمكة، وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة. وأبو مسلم الخولاني كما قال عنه الذهبي وابن عساكر: "سيد التابعين وزاهد العصر، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، ودخل المدينة في خلافة الصديق. وكان من أهل اليمن، وقد ظهر فيها حينئذ الأسود العنسي وهو دجال كذاب يدعي النبوة، فبعث إلى أبي مسلم فأوقد ناراً عظيمة وألقاه فيها فلم تضره، فقيل للأسود إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك فأمره بالرحيل، فقدم المدينة فأناخ راحلته ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه فقال ممن الرجل؟ قال: من اليمن، قال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب، قال: نشدتك الله أنت هو؟ قال: اللهم نعم فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صُنع بإبراهيم الخليل".. وغير ذلك كثير في كتب السير والتاريخ.. وكلها تثبت لكثير من الصحابة والتابعين والصالحين من بعدهم كرامات أكرمهم الله عز وجل بها، قال ابن تيمبة: "ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يُجْري الله على أيديهم من خوارق العادات".
الغلو والجفاء في كرامات الأولياء:
قال ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان": "قال بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو ولا يبالي بأيهما ظفر. وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الواديين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جدا الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله وأصحابه.. وكذلك قصّر بقوم في حق الأنبياء وورثتهم حتى قتلوهم وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم.. وقصر بقوم حتى جفوا الشيوخ من أهل الدين والصلاح وأعرضوا عنهم ولم يقوموا بحقهم وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم مع الله تعالى.. وهذا باب واسع جدا لو تتبعناه لبلغ مبلغا كثيرا وإنما أشرنا إليه أدنى إشارة".
وموقف الناس من كرامات الأولياء على أقسام ثلاثة، قسم: غلا في الكرامة، ورفعوها ورفعوا أصحابها إلى منزلة فوق منزلتهم، فادَّعوا باسم الكرامة أن أصحابها يعلمون الغيب، ويغيثون من يستغيث بهم.. إلى غير ذلك من الأمور التي هي من خصائص الله تعالى وحده، ومن ثم تعلقوا بأصحاب الكرامات من الأحياء والأموات وقدسوهم، حتى وقعوا ـ من خلال هذا الغلو ـ في الشرك. والقسم الثاني: جفا في الكرامة فأنكروها، وأنكروا ما هو ثابت في الكتاب والسنة من الكرامات الصحيحة التي أجراها ويجريها الله عز وجل لأوليائه المتقين. وأما القسم الثالث: فهم الوسط بين التفريط والإفراط، والغلو والجفاء، وهم أهل السنة والجماعة الذين توسطوا في موضوع الكرامات، فأثبتوا ما أثبته الكتاب والسنة من وجود ووقوع كرامات للأولياء، ولم يغالوا في أصحابها، ولم يتعلقوا بهم من دون الله عز وجل، ونفوا ما خالف الكتاب والسنة من الدجل والشعوذة، فليس كل أمر خارق وقع لإنسان يعتبر كرامة له، وأنه من أولياء الله، بل لابد أن يكون هذا الأمر موافقا للكتاب والسنة، وأن يكون من وقع على يديه هذا الأمر الخارق، مؤمنا تقيا، متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم في هديه وسنته، قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ}(البقرة:34):"وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: قلت للشافعي: كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، فقال الشافعي: قصّر الليث رحمه الله، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة". وقال ابن تيمية: " فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَوْلِيَاءُ اللَّه بصِفاتهمْ وأفعالهم وأحوالهم التي دَلَّ عليها الكتاب والسُّنَّة، وَيُعْرَفُون بِنُورِ الْإِيمان والقرآن وبحَقائق الإِيمان الباطنة وشرائع الإِسْلامِ الظَّاهرة".
الواجب على المسلم تجاه كرامات الأولياء أن يكون وسطاً، لا غلو ولا جفاء، وأن يعلم أنه ليس بشرط أن يحصل لكل ولي كرامة، فلا تلازم بين الولاية وبين ظهور الكرامات والأمور الخارقة للعادة، وأن يعلم كذلك أن أفضل كرامة هي الاستقامة على طريق وشرع الله، والتمسك بهدي وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،، قال ابن تيمية: "غاية الكرامة لزُوم الاسْتقامة، فلم يُكْرِم اللَّهُ عَبْدًا بِمثل أنْ يُعِينه على ما يُحِبُّه ويرْضَاه ويزيده مِمَّا يُقَرِّبُه إليه ويرْفع به درجات".