من النظائر القرآنية الآيات الثلاث التالية:
قوله تعالى: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون} (الأنعام:135).
قوله عز وجل: {ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب} (هود:93).
قوله سبحانه: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون} (الزمر:39).
لسائل أن يسأل عن الآية التي في سورة هود: لم جاءت بحذف (الفاء) من حرف التسويف (سوف) وجاءت الآيتان الأخريان بإثباتها في الحرف نفسه، فقال: {فسوف تعملون} وهل يصلح ما فيه (الفاء) مكان ما لا (فاء) فيه؟
أجاب الإسكافي عن هذا السؤال بما حاصله: أنه سبحانه أمر نبيه في سورة الأنعام بأن يخاطب الكفار على سبيل الوعيد بقوله: {اعملوا} على طريقتكم وجهتكم، أو على تمكنكم {فسوف تعملون} أي: اعملوا فستُجْزَون، وستعلمون أن إساءتكم إلى أنفسكم. فالعمل سبب للجزاء، الذي عبر عنه بقوله: {فسوف تعلمون} فـ (الفاء) متعلقة بقوله: {اعملوا} والتقدير: اعملوا {فسوف تعلمون} وإني عامل فسوف أعلم، فحُذف للعلم به. وكذلك ما في سورة الزمر خطاب من الله تعالى لنبيه على هذا الوجه.
وأما في سورة هود فإنه حكاية عن النبي شعيب عليه السلام، لما تجاهل قومه عليه، فقالوا له فيما حكاه القرآن عنهم: {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} (هود:91) فقال لهم: {اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} وتعرفون عملي، وإن قلتم: إنا لا نفقه أكثر ما تقوله، فجعل {سوف تعلمون} مكان الوصف لقوله: {عامل} فلم يصح على هذا المعنى دخول (الفاء) وقصد هذا المعنى لِمَا أظهروا من جهلهم به، وأنهم لا يعرفون كثيراً مما يقول لهم، فقال لهم: {إني عامل سوف تعلمون} عملي وتعرفونه بعد ما أنكرتموه.
وقد نحا ابن الزبير الغرناطي منحى آخر في الجواب عن السؤال الذي صدرنا به هذا المقال، فقال ما حاصله: إن هذه الآيات الثلاث وعيد لمن كفر وكذب؛ وآيتا الأنعام والزمر أريد بهما كفار العرب من هذه الأمة، وقد افتتحتا بأمره سبحانه نبيَّه عليه السلام بوعيدهم في قوله سبحانه: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} فقوَّى في هاتين الآيتين تقدير معنى الشرط المعهود تقديره في الأوامر نحو قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية} (إبراهيم:31) لافتتاحها بأمره تعالى نبيه عليه السلام، ثم أمره عليه السلام لهم في قوله: {اعملوا} فتَقَوَّى ما يستدعى الجوابية بـ (الفاء) فوردت في الجواب المبنى على الشرط المقدر بعد هذا الأمر، ولما كانت آية هود إخباراً لنبينا عليه الصلاة والسلام عن النبي شعيب مع قومه، فقد ضَعُفَ فيها تقدير الشرط، فلم تدخل (الفاء) وجاء كلٌّ بحسب ما يجب.
وأجاب أبو هلال العسكري عن السؤال جواباً مختصراً، فقال ما معناه: اقترن حرف التسويف بـ (الفاء) في آيتي الأنعام والزمر؛ لأنه تقدم في هاتين الآيتين قوله: {قل} فأمرهم أمر وعيد بقوله {اعملوا} أي: اعملوا فستجزون، ولما لم يتقدم آية هود فعل القول: {قل} فصار استئنافاً، فلم يستدعي السياق اقتران حرف التسويف بـ (الفاء). وقد أيد هذا الجواب ابن عاشور، حيث قال: ولم يقرن حرف (سوف) في هذه الآية بـ (الفاء) وقَرَن في آية سورة الأنعام بـ (الفاء) لأن جملة {سوف تعلمون} هنا جُعلت مُسْتَأْنَفة.
وذهب ابن جماعة في "كشف المعاني" إلى أن القول في آيتي الأنعام والزمر بأمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {قل} فناسب التوكيد في حصول الموعود به بـ (فاء) السببية. أما الآية في سورة هود فقد كانت من قول النبي شعيب عليه السلام، فلم يؤكد ذلك.