جرى الاصطلاح في الأسماء على تقسيمها إلى عَلَمِ : وهو ما علق على شيء بعينه غير متناول ما أشبهه، ولقب: وهو ما أشعر بمدح أو ذم ، وكنية : وهو ما صدر بأب أو أم.
وقد ولع العرب بالكنى والألقاب ولعاً غريباً حتى صاروا يكنون الطفل والعقيم؛ بل الوحش والطير بل الجماد والمعاني كما ستراه.
من أعظم مقاصد الكنى في الأناسي خشية مبادرة اللقب السيئ على لسان عدو أو ماجن فيلصق بالمرء لصوق الجرثومة في المنيب الوبيء ، وفي أثر (بادروا أولادكم بالكنى أن تغلبهم الألقاب).
ومن مقاصدها فيها تعظيم المكنى وتوقيره، فقد فطرت الأنفس على كراهة خطابها باسمها ومشافهتها به. وأما في غير الأناسي فلقصد التوسع في باب الأعلام والتفنن في الأوضاع والازدياد من المعاني.
ولم تك كناهم تخلو عن نكتة وسر في وضعها، و ملاحظة معنى بإزائه يكون الوضع كما قالوا في أبي لهب كني به لجماله لأن اللهبة البياض الناصع ، وأوثر في التنزيل الكريم أما لشهرته ، أو للتعريض بكونه جهنمياً ؛ وكما قالوا للضبع أم لأنها ترسم الطريق لا تفارقه ، وأم المثوى لصاحبه المنزل ، والأمثلة يطول تعدادها ويسهل تعرف أسرارها من معاجم اللغة المطولة.
وما برحت الكنى والألقاب أخذة في الأعلام دوراً هاماً في الجاهلية والإسلام، سيما في قرونه الوسطى ؛ فقد نسيت بسببها كثير من الأعلام لغلبتها عليها، ولقد رأيت من يخفى عليه مثلاً اسم الأمام أبو يوسف أو القاضي أبي الطيب ونحوهما ممن اشتهر بكنيته فنسي اسمه، لذا سنح لي أن أبين قاعدة للمتقدمين نوع الكنى والألقاب تنكشف بها معرفة الأعلام مما اصطلح عليه أولئك وجرى عليه المؤرخون.
فمن الكنى أبو اسحق كنية: لمن اسمه إبرأهيم تأسياً باسمي الخليل وابنه عليهما السلام أبو إبرأهيم : لمن اسمه إسماعيل. أبو الحرث: لليث وأرسلان. أبو الحسن: لعلي. أبو داود: لسليمان. أبو الدر: لياقوت. أبو زكريا: ليحيى. أبو سليمان: لداود. أبو الشكر: لأيوب. أبو الصبر له أيضاً. أبو الطيب: لطاهر. أبو العباس : لأحمد وخضر. أبو علي: للحسن والحسين. أبو عمرأن: لموسى. أبو الفضل : لجعفر وللربيع وليحيى. أبو الفتح: لنصر. أبو القاسم: لعلي ومحمود. أبو محمد: لعبد الله. أبو محفوظ :لمعرف.
أبو المعالي: لعبد الملك. أبو مروان له أيضاً. أبو المسك: لكافور. أبو الميمون: لمبارك. أبو المنصور: لظافر. أبو الوقت: لعبد الأول.
أبو هريرة: لعبد الرحمن. أبو يحيى: لزكريا. أبو يوسف: ليعقوب.
ومن الألقاب للمتأخرين. سيف الدين: لغازي. شمس الدين: لمحمد. شهاب الدين: لأحمد. صلاح الدين: ليوسف. عماد الدين: لإسماعيل.
هذا ما غلب من الكنى والألقاب واشتهر في تلك الأسماء، وقد يكون لها كنى وألقاب أخرى.
وقد يكون للمرء عدة كنى كما تراه في قولهم: ذو الكنى وقد يشتق للمرء من معنى اسمه له إشارته أو حاله (أبو الطيب): لمن اسمه طاهر لما بين الطيب والطهر من التناسب، وكذا (أبو السرور): لمن اسمه عيد. وأبو الجود: للسخي. وأبو مطاع: للأمير. وأبو الغارات: للمجاهد. وذو القرنين: لعظيم الملك.
وقد لا يكون لشيء من ذلك كما حدث في عهد منح الألقاب المضافة لذوي السيطرة من أجيال والمضافة للدين وقد أشار للثاني الأديب الخليع عبد الرحمن المسجف الملقب ببدر الدين من رجال فوات الوفيات، (مدفون في بستانه بدمشق قرب المزة وأمام قبره المحجر قبة يجري عندها نهر تظن أهل القرى هناك أنه من الأولياء وليس تحت القبة مزار) في قوله:
قالوا تلقب بدر الدين مفتخراً ... نجل الجنوبي من قد زين الأمنا
فقلت لا تعجبوا منه فذا لقب ... وقف على كل نجس والدليل أنا
وقد يكنى الرجل بأكبر أولاده، أو بأشهرهم أو بأحبهم إليه، وقد يكنى بابن أخيه كما كنيت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأم عبد الله، وقد يكنى الرجل بما يقوم عليه ويعرف به كأبي الرجال: لمن تربى عنده النجباء مجازاً ،ولمن له عدة أولاد حقيقة .
وبما ظهر فيه من اليمن والخير :كأبي البركات، وقد وضع كثير من الألقاب والكنى علماً برأسه في العصور الأخيرة كبهاء الدين ،وصلاح الدين، وأبي الخير، وأبي بكر ولا حجر في ذلك، إلا أن القرون الأولى كان لأسمائها نوع نظام سهل به وضع نظام بإزائها لألقابها وكناها، مع ما شف عن أدب مع الأئمة الأعلام، فإن من رعاية الكبير وقدره قدره وضع لقب له يعرف به. نعم لكل عصر مظهر ولكل دور طور، ولكن باب الأدب مع الأعلام لا يغلق على الدوام.
قلنا قد بلغ من شغف العرب بالكنى أن وضعتها للطير والوحش والجماد والمعاني لما ملئت به أسفار اللغة من ذلك فمن ذلك أبو الحباحب: لدويبة تظهر ليلاً صغيرة يخيل أنها نار. وأبو الحصين: للثعلب. وأبو جعده: للذئب. وأبو براقش: لطائر فيه ألوان. وأبو فراس: للأسد.وأبو حفص له أيضاً.
وأبو قبيس: لجبل بمكة. وأبو الأبيض: للبن. وأبو الأثقال : للبغل. وأبو الأخضر: للريحان. وأبو حيان: للفهد. وأبو أيوب: للجمل. وأبو بحير: للتيس. وأبو حماد: للديك. وأبو حميد: للدب. وأبو خداش: للنسور. وأبو صابر: للحمار. وأبو شجاع :للفرس. وأبو طالب له أيضاً. وأبو طأمر: للبرغوث. وأبو عاصم: للزنبور. وأبو العوام: للسمك.
ومن المعاني أبو مالك: للهرم. وأبو أسعد له أيضاً. أبو مرحب: للظل. أبو زيد: للكبر. أبو عمرة: للفقر وسوء الحال والجوع. قيل لأعرأبي أتعرف أبا عمرة؟ قال: كيف لا وهو متربع في كبدي.
ومن الأمهات أم القرى: لمكة المكرمة. أم قشعم: للمنية أو الحرب. أم الرأس: لأعلى الهامة. أم الدماغ: لجلدة الرأس. أم جابر: للخبز. أم الهدير: للشقشقة. أم الطعام: للمعدة. أم النجوم: للثريا. أم خداش: للهرة. أم شبل: للبوه.
وقد ألف في معرفة الكنى عدة مؤلفات منها كتاب أبي العباس الأحوال ولم يتقدمه أحد في هذا الفن، وألف ابن السكيت كتاب: المثنى والمكنى والمؤاخى ، ولابن الأثير كتاب سماه: المرصع.
وعني المحدثون بهذا الفن وصنفوا فيه أيضاً منهم: الأمام ابن المديني، ثم الأمام مسلم، ثم النسائي، ثم الحاكم أبو أحمد - غير صاحب المستدرك على الصحيحين - وأبي الفضل الفلكي، وأبي الوليد الدباغ ،وأبي الفرج بن الجوزي، وآخرهم الحافظ ابن حجر ، وللمحدثين تقسيم غريب في باب الكنى، أوصلها بعضهم إلى تسعة:
من سمي بالكنية: ولا اسم له غيرها كأبي أبكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة بالمدينة
من عرف بكنيته ولم يعرف له اسم :كأبي مويهبة مولى النبي صلوات الله عليه
من له لقب وكنيتان أو أكثر كمنصور الفراري أبي الفتح وأبي القاسم
من اختلف في كنيته :كأسامة رضي الله عنه أبي زيد وقيل أبو محمد ..
من عرفت كنيته واختلف في اسمه كأبي بصرة هو حميل (بالحاء مصغراً) وقيل جميل (بالجيم مكبراً) وكأبي هريرة قال القطب الحلبي: في اسمه واسم أبيه نحو أربعين وأصحها :عبد الرحمن بن صخر.
من اختلف فيهما كسفينة مولى النبي عليه حكي في اسمه وكنيته اثنان وعشرون قولاً
من عرف بالاثنين كأبي عبد الله سفيأن الثوري ونحوه مما لا يختلف فيهما
من اشتهر بها مع العلم باسمه كأبي إدريس الخولاني عائذ الله
_______________
مجلة المقتبس العدد 17