سورة الصف هي السورة الواحدة والستون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الثامنة بعد المائة في ترتيب نزول السور. نزلت بعد سورة التغابن، وقبل سورة الفتح. وكان نزولها بعد وقعة أُحد. وهي سورة مدنية عند الجمهور، قال ابن عطية: الأصح أنها مدنية، ويشبه أن يكون فيها المكي. وقال القاسمي: ولا عبرة بقول: إنها مكية؛ لأن آياتها المحرضة على القتال ترده؛ لأنه لم يُشرع الجهاد إلا في المدينة. وعدد آياتها أربع عشرة آية بالاتفاق.
تسميتها
اشتهرت هذه السورة باسم (سورة الصف) وكذلك سميت في عصر الصحابة. روى ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الله بن سلام أن ناساً قالوا: (لو أرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأله عن أحب الأعمال) إلى أن قال: (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، حتى جمعهم ونزلت فيهم (سورة سبح لله الصف) رواه ابن كثير.
وبذلك الاسم عُنونت في "صحيح البخاري" وفي "جامع الترمذي" وكذلك كُتب اسمها في المصاحف، وفي كتب التفسير.
ووجه التسمية وقوع لفظ {صفا} (الصف:4) فيها، وهو صف القتال، فالتعريف باللام تعريف العهد.
وذكر السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن" أنها تسمى (سورة الحواريين) ولم يسنده. فتسميتها (سورة الحواريين) لذكر الحواريين فيها. ولعلها أول سورة نزلت ذُكر فيها لفظ الحواريين. وقال الآلوسي: تسمى (سورة عيسى) قال ابن عاشور: "ولم أقف على نسبته لقائل. وأصله للطبرسي، فلعله أخذ من حديث رواه في فضلها عن أبي بن كعب بلفظ (سورة عيسى). وهو حديث موسوم بأنه موضوع. والطبرسي يكثر من تخريج الأحاديث الموضوعة. وإذا ثبت تسميتها (سورة عيسى) فلِمَا فيها من ذكر عيسى عليه السلام في الآيتين (6) و(14) مرتين.
سبب نزولها
روى الترمذي في "جامعه" عن عبد الله بن سلام، قال: (قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه) فأنزل الله تعالى: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} (الصف:1-2) قال عبد الله بن سلام: فقرأها علينا رسول الله.
وأخرجه الحاكم، وأحمد، وابن أبي حاتم، والدارمي بزيادة: (فقرأها علينا رسول الله حتى ختمها، أو فقرأها كلها).
وعن مقاتل بن حيان: قال المؤمنون: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به، فدلهم الله، فقال: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا} (الصف:4) فابتلوا يوم أحد بذلك، فولوا مدبرين، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} (الصف:2) ونسب الواحدي مثل هذا للمفسرين، وهو يقتضي أن صدر الآية نزل بعد آخرها.
مقاصدها
افتتحت السورة الكريمة بتنزيه الله تعالى عن كل نقص، ونهت عن أن تكون الأقوال مخالفة للأفعال، وبشرت الذين يجاهدون في سبيل الله تعالى بمحبته ورضوانه، وذمت الذين آذوا رسل الله تعالى، وأنكروا نبوتهم بعد أن جاءوهم بالبينات، وأرشدت إلى التجارة الرابحة التي توصل إلى الفوز العظيم.
وعلى الجملة فقد تضمنت السورة المقاصد الشرعية التالية:
- أول مقاصد سورة الصف التحذير من إخلاف الوعد، والالتزام بواجبات الدين، فقد افتتحت بتسبيح الله تعالى عن كل ما لا يليق به، ثم وجهت نداء إلى المؤمنين، نهتهم فيه أن يقولوا قولاً، لم تطابقه أفعالهم.
- الدعوة إلى الاجتماع على قلب واحد في جهاد أعداء الدين؛ تنزيهاً للواحد الأحد عن الشرك، وصيانة لجنابه الأقدس عن الإفك.
- التحريض على الجهاد في سبيل الله، والثبات فيه، وصدق الإيمان.
- بعد أن ذكر سبحانه جانباً مما قاله موسى عليه السلام لقومه، وما قاله عيسى عليه السلام لقومه، أتبع ذلك ببيان ما جُبِلَ عليه الكافرون من كذب على الحق ومن كراهية لظهور نوره.
- التعريض بالمنافقين.
- الثبات في نصرة الدين.
- الدعوة إلى التأسي بالصادقين مثل الحواريين الذين نصروا نبي الله عيسى عليه السلام.
- التحذير من أذى الرسول صلى الله عليه وسلم تعريضاً باليهود مثل كعب بن الأشرف.
- ضرب المثل لذلك بفعل اليهود مع موسى وعيسى عليهما السلام.
- الوعد على إخلاص الإيمان والجهاد بحسن مثوبة الآخرة والنصر والفتح.