لم يعد أحد يماري في أن ميدان الإعلام قد أصبح في هذا الزمن من أعظم ميادين الجهاد لنصرة دين الله، وإبلاغ الحق للخلق.
ولا يشك أحد في دور الإعلام وأثره في الحفاظ على الأمة وتاريخها وهويتها، وفي نشر إسلامنا العظيم ورفع كلمة الله شامخة، وليس بمنكور استخدام الإعلام ومكانته في إيصال الحق للخلق، ومدى وجوب ذلك على الأمة عموما كواجب كفائي ثم على أهل التخصص كواجب يصل إلى أن يكون عينيا في حقهم، هذه هي رسالة الأمة في تبليغ الإسلام رمز الحق الذي تنتظره البشرية لتتمسك به وتدافع عنه {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(يوسف:108).
وهذه الرسالة التي نأمل من الإعلام في بلادنا أن يقوم بها لا يمكن أن تتم سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.. سواء كنا داعمين أو فرسان في ميدان الجهاد الإعلامي مالم نجعل (الإعلام دينا) ونجعل من رسالته عبادة لله تعالى نتنفس فيها معنى الاسم الجامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.
عندما يكون الإعلام دينا
عندما يكون "الإعلام دينا" فلن تجد مصلحاً تأسره كاميرا في ذلك الميدان تصغر من رؤيته ورسالته فتحصرها في عمل برنامج فقط من أجل تواجده وشهرته ومنافسته لأقرانه، نظرته للإعلام على أنه ديانة سيجعله يفكر ألف مرة كيف يكون هذا الظهور طهورا له عند ربه وقد أثر في بناء عقول وقلوب أبناء أمته.
عندما يكون "الإعلام دينا" لن تجد كاتب نص ـ لجنة أو فردا أو نخبا ومفكرين ـ يفرحون بقبول نصهم كمنتَج لبرنامج مالم يتأكدوا أن ذلك الكيان الراعي لهم لن يمرر آلاف الرسائل الضمنية التي تقتل في نفوس المشاهدين هويتهم أكثر من نصهم الذي فرحوا بقبوله.
عنما يكون "الإعلام دينا" لن تجد سوقا تباع فيه وتشترى أمانة الكلمة وقلوب الشباب والفتيات الطموحين للشهرة بأبخس الأسعار وباسم الإعلام وعلى حساب هوية أمتنا وثوابتها.
عندما يكون "الإعلام دينا" سوف تتقازم كل خطط الأعداء في استخدام شبابنا كرموز في مصيدة تلك المنصات الإعلامية التي على مسرحها يمارس طمس الهوية وتضييع الأمة وتمييع أبنائها.
عندما يكون "الإعلام دينا" لن نسمح لفرد مهما ملك أن يملي علينا ما نعق به أمتنا وقيمنا وتاريخنا وثوابتنا وعقيدتنا.
عندما يكون "الإعلام دينا" سنقف في ميدان جهاد الكلمة وكأننا نصوم ونصلي ونزكي، وكأن الإعلام اتصال مع الله للإتقان والإبداع وصبر على الطريق وبذل الوقت والمال، والله يتولى دفع الثمن وتوفية الأجر.
عندما يكون "الإعلام دينا" سيتسع لنا الأفق، ونرى تفاصيل الكون الفسيح؛ لنقدم عملا ينطق بالتميز والإبهار والعمق في محتواه وصورته.. نحقق فيه رضى ربنا، ونجمع فيه قلوب أمتنا، ونبني عقولا، ونخرج جيلا يحمل الرسالة الخالدة معتزا بتاريخه العظيم ودينه القويم ورسالته الخالدة.
عندما يكون "الإعلام دينا" لن يهمنا من هو خصمنا، ولن يكون منطلقنا الدفاع وردة الأفعال، بل دفاعا وهجوما وإنتاجا "والحق أبلج يغازل الفطرة ويحركها" حتى لو امتلك خصمنا بأجندته وأعوانه أقوى السلاح الإعلامي فالنية التي نحملها ليس للفشل فيها مكان لأنه دين نحمل كلمته بكل حب في ذلك الميدان لنثخن فيه عدوا قرب الانتصار عليه بكلمة الحق.
عندما يكون "الإعلام دينا" لن يضيع وقتنا في تصفية حساباتنا مع من خالفنا بشيء فيه متسع للخلاف، إذ المقصد لنا جميعا نصرة الدين ورضا رب العالمين، والخلاف شر، وصرف عن المقصد الأساسي، أو على الأقل انشغال وتأخير عن الوصول إليه، وعدونا يفرح بانشغالنا بالميدان والتهائنا عنه بأنفسنا.
عندما يكون "الإعلام دينا" لن تجد من يجعل الشاشة ميدانا لضعف الإسلام، بل سيبذل كل فرد وسعه ليكون العمل على أكمل وجه وأحسنه فهي عبادة، وسيجد العدو البنيان المرصوص الذي يكمل بعضه بعضا، ويعين بعضه بعضا، ويتعاون أفراده لمنافسة إعلامهم المغرض والخادع وآلته الجبارة بإعلام يضاهيه قوة وتقدما وتأثيرا، وعلما وخبرة لإعطاء الصورة المطلوبة والحقة عن الحق الذي يبلغونه، ولن تجد أحدا ممن جعل إعلامه دينا يغرد بعيدا عن نصرة من في الميدان.
وعندما يكون "الإعلام دينا" لن تجد ذلك التاجر الذي يتعامل مع الإعلام وكأنه قطعة حلوى ذاق طعمها وتلذذ بها ثم بحث عن هواية أخرى، وكأن ذلك العمل العظيم لم يكن في محراب دعوته لربه!
عندما يكون "الإعلام دينا" فلن يمرر علينا أحد خديعة "اتركوا الشاشة وركزوا على وسائل التواصل الاجتماعي"، بينما عدونا في الميدان أكبر سلاحه هو تلك الشاشة التي في كل بيت ومنتدى وساحة وفندق.. بل فرساننا في الميدان ستجدهم في كل المجالات يكمل بعضهم بعضا، في المحتوى والوقت والعمق، حسب الهدف الذي نريد أن يصل إليه سهم كلمتنا، ولن نسمح لأحد أن يحدد لنا الوقت والطريقة والمنصة. فإن الجميع من فرسان الخير يعمل بقدرته وتركيزه لهدف واحد ندور فيه كل منتجاتنا لتصل لقلوب الفطرة.
عندما يكون "الإعلام دينا" لن نسمح لأحد أن يشتري إرادتنا، أو أن يضعف همتنا بتوقف دعمه أو تشجيعه.. فطريقنا نستمد منه القوة بتلك النية "الإعلام دين" وسنبقى في الميدان حتى لو كنا في صحراء قاحلة من الدعم؛ لأننا تعلمنا أن الجنة ثمانية أبواب والسماء أعظم باب للرزق والتوفيق لمن حسنت نيته وكان الله معه {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق:2- 3].
عندها تشرع لنا البدائل، ويقرب من عقولنا الإبداع، ويتحول ألم التحدي إلى حلاوة الصبر والتصدي لكل المتغيرات، سنحمل الكلمة ونخدم أمتنا ونجمع قلوبنا ونبصر عدونا ونفتح كل الأبواب في إعلامنا الهادف ففيه صوت الفطرة الذي ينتظره الجميع.
وأخيرا
عندما يكون "الإعلام دينا" سنفتخر أن نموت في ميدانه، ولن يستطيع أحدا أن يساومنا على هويتنا ورسالتنا، ولن يحولنا أحد من خدمة إسلامنا إلى استخدامه {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام:162).