لقد حظيت الأواني والمعادن باهتمام الفنانين المسلمين في العصور الإسلامية، وتدل الآثار الباقية من المصنوعات المعدنية ،على سمو الفن الإسلامي، وإبداع الفنانين في صناعة الأواني، والمعادن وزخرفتها وتلوينها.
والتحف المعدنية التي يرجع تاريخها إلى العصور الإسلامية الأولى تعتبر حلقة وصل بين الطراز الساساني والطراز الإسلامي.
ولقد اشتهرت مدن كثيرة من بين المدن الإسلامية على مر العصور بمصنوعاتها المعدنية، من مختلف المواد التي توفرت بها ، كما تنوعت بها طرق الصناعة ،وأساليب الزخرفة، وكان الذهب ،والفضة ،والنحاس الأحمر؛ أهم المعادن التي استخدمت في الأواني ،والزخارف الإسلامية.
كما عرفت حضارتنا القديمة باستعمال المعادن المكونة من أكثر من مادة مثل النحاس الأصفر والبرونز، وكلاهما شاع استعماله في الصناعات المعدنية المختلفة.
ولقد اشتهرت صناعات يدوية في عصور الدول الإسلامية الأولى، كالحز والترصيع ،والحفر، والنافورات المائية " الفسقيات" التي كانت تزود بها قصور الملك والخلافة، وأشرطة الكتابة بالخط الكوفي وغيره.
ولقد أطنب كثير من المؤرخين والرحالة القدامى الذين زاروا بلدانا إسلامية وحواضر عربية في وصف ما كان في تلك المدن، والحواضر؛ من زخارف ومعادن في قصور الملك والخلافة؛ ومن ذلك ما ذكروه عن مصر وقصور الفاطميين (العبيديين) فيها، وكيف أنهم رأوا أوان وأدوات معدنية ،وحلى ذهبية ،وفضية متنوعة ، بل لقد وصل إلينا شيء من هذه التحف ،من ذلك مشبك من الذهب ،عثر عليه في أطلال الفسطاط ،عليه كتابة كوفية نصها: [فالله خير حافظا]، وهناك قطع أخرى مصنوعة بمشبكات دقيقة من الأسلاك في هيئة وريقات شجر .
ولعل أعظم ما وجد من هذه المعادن والزخارف يرجع للعصر الأيوبي، فرغم كثرة الحروب في هذا العصر إلا أنه يبدو كان عصر رواج للصناعات الحرفية، والمشغولات اليدوية، ومما بقي من آثار هذا العهد طست نحاس مكفت بالفضة باسم السلطان نجم الدين أيوب، وعليه رسوم تمثل لعبة الكرة والصولجان، وهو موجود بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة اليوم.
أيضا يوجد عدد من الأباريق النحاسية المكفتة بالفضة، والغنية بزخارفها البديعة، ومن أجمل التحف المعدنية : مبخرة تحمل كتابة باسم السلطان العادل الثاني موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق.
ويعتبر العصر الأيوبي العصر الذي تبوأ فيه خط النسخ مكانة علية بجانب الخط الكوفي ،في زخرفته ،وتحلية المنتجات الصناعية والفنية به.
أما العصر المملوكي فهو العصر الذهبي للصناعات المعدنية، إذ وصلت فيه إلى قمة مجدها لدقة الصنع ،وإبداع الفن، وقد ساعد على ذلك اهتمام السلاطين بها ،ورعايتهم للحرفيين ؛وتشجيعهم للمشغولات اليدوية، وقد كان هذا العصر عصر ابتكار، وتجديد، وخروج على المألوف .
وقد تميزهذا العصر بكثرة الكتابات العربية على المعادن والأواني وذلك بأغلب أنواع الخط من كوفي، ونسخ، وزخرفي ، وخط الثلث وغيره.
وكتابتهم بالخط العربي هو ما ميز الزخارف المملوكية عن غيرها من زخارف إيران، والعراق وغيرها.
وإنك تجد اليوم في متاحفنا العربية من آثر الفن المملوكي ثريات، وصناديق للمصاحف، وشمعدانات وسواها؛ من آثر استعملت فيه مختلف الأساليب الفنية من زخرفة المعادن ،ومن تكفيت بالفضة والذهب ،وتصفيح ،وحفر، وتثقيب "تخريم" ،ومن هذه المصنوعات ما قصد به الاستعمال المنزلي مثل الصواني، والأباريق ،والطسوت، والمباخر ،والمرايا ، بينما كانت هناك تحف أخرى تستعمل في المدارس ،والمكتبات مثل المقلمات الفاخرة، والمحابر.
وعلى العموم فإن الحضارة الإسلامية ،قدمت للبشرية عطاء كبيرا في كل مجال ،وأطلقت العنان للطاقات، وحضت على الإنجاز والعمل، ولكن الخلف ضيعوا ريادة السلف ،ورضوا بأن يكون تبعا لغيرهم ، فلعل الأمة تنهض وتعود لسابق عهدها ، وما ذلك على الله بعزيز.