قال في معجم "مقاييس اللغة": "النون، والعين، والميم، فروعه كثيرة، وهي على كثرتها راجعة إلى أصل واحد، يدل على ترفُّه، وطيب عيش، وصلاح، منه النعمة: ما يُنْعِمُ الله تعالى على عبده به من مال وعيش، يقال: لله تعالى عليه نعمة. والنعمة: المِنَّة، وكذا النعماء. والنعمة: التنعم وطيب العيش. وتَنَعَّم: تناول ما فيه النعمة وطيب العيش. ويقال: نعَّمه تنعيماً فتنعم، أي: جعله في لين عيش وخصب، قال سبحانه: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه} (الفجر:15). و(النعمة) المال، يقال: فلان واسع النعمة. ويقولون: نَعَمْ وَنُعْمَى عين، وَنُعْمَةَ عين، أي: قُرة عين. ونَعِمَ الشيء من النعمة. وقد نَعَّم فلان أولاده: ترَّفهم. وتَنَعَّمَ الرجل: مشى حافياً. ونَعِمَ اللهُ بك ونَعِمَكَ، وأَنْعَمَ بك عيناً: أَقرَّ بك عين من تحبه، أو أقرَّ عينَك بمن تحبه.
وقال الراغب في "المفردات": "النِّعمة -بكسر النون-: الحالة الحسنة، وبناء (النِّعمة) بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان، كالجِلْسَة والرِّكْبة. والنَّعمة -بفتح النون-: التنعم، وبناؤها بناء المرة من الفعل، كالضَّرْبة، والشَّتمة. و(النِّعمة) للجنس تقال للقليل والكثير. قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (النحل:18). و(النعيم) النعمة الكثيرة، قال سبحانه: {في جنات النعيم} (يونس:9). و(نِعْمَ) كلمة تستعمل في المدح مقابل (بئس) في الذم، قال تعالى: {نعم العبد إنه أواب} (ص:44). وتقول: إن فعلت كذا فبها ونِعْمَتْ. أي: نعمت الخصلة هي. و(الإنعام) الإحسان إلى الغير، ولا يقال إلا إذا كان المُحْسَن إليه من الناطقين.
ومادة (نعم) وما اشتق منها وردت في القرآن الكريم في ثمانية وثلاثين ومائة موضع (138) جاءت في ثمانية عشر موضعاً (18) بصيغة الفعل، من ذلك قوله عز وجل: {صراط الذين أنعمت عليهم} (الفاتحة:7). وجاءت في عشرين ومائة (120) موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (النحل:18).
ومادة (نعم) ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم على عدة معان:
أحدها: النعمة بالمعنى العام، وهي ما أنعم الله به على الإنسان، من ذلك قوله تعالى: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} (لقمان:20) أي: النعم التي سخرها الله للعباد مما في السموات والأرض. وبحسب هذا المعنى قوله عز وجل: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (النحل:18) المعنى: وإن تعدوا أيها الناس نِعَمَ الله التي أنعمها عليكم لا تطيقوا إحصاء عددها، والقيام بشكرها إلا بعون الله لكم عليها. وعلى هذا أيضاً قوله سبحانه: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الأنفال:53) أي: أن الله إذا أنعم على قوم نعمة، فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغيرها حتى يجيء ذلك منهم، بأن يغيروا حالهم التي تراد وتحسن منهم، فإذا فعلوا ذلك وتلبسوا بالمعاصي، أو الكفر الذي يوجب عقابهم، غيَّر الله نعمته عليهم بنقمته منهم. والآيات وَفْق هذا المعنى كثيرة.
ثانيها: النعمة بمعنى المِنَّة، وما امتن الله به على عباده، من ذلك قوله تعالى مخاطباً بني إسرائيل: {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} (البقرة:40) قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أي: آلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه". وقال الطبري: "نعمته التي أنعم بها على بني إسرائيل: اصطفاؤه منهم الرسل، وإنزاله عليهم الكتب، واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه، إلى التمكين لهم في الأرض، وتفجير عيون الماء من الحجر، وإطعام المن والسلوى". وعن مجاهد قال: "نعمته التي أنعم على بني إسرائيل فيما سمى وفيما سوى ذلك، فجَّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المن والسلوى، وأنجاهم عن عبودية آل فرعون". ونحو هذه الآية قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم} (المائدة:20) أي: مننه التي امتن بها عليكم. والآيات وفق هذا المعنى غير قليلة.
ثالثها: النعمة بمعنى الإسلام، من ذلك قوله سبحانه: {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب} (البقرة:211) يعني بالنعمة جل ثناؤه الإسلام، وما فرض من شرائع دينه. قال الطبري: "ومن يغير ما عاهد الله في نعمته، التي هي الإسلام من العمل، والدخول فيه فيكفر به، فإنه معاقبه بما أوعد على الكفر به من العقوبة". وبحسب هذا المعنى أيضاً قوله عز من قائل: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (آل عمران:103) أي، صرتم بنعمة الإسلام إخواناً في الدين. ونحو هذا كذلك قوله سبحانه: {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون} (العنكبوت:67) أي: يكفرون بما أنعم الله عليهم من دين الإسلام.
رابعها: النعمة بمعنى الإيمان، جاء على هذا المعنى قوله تعالى: {فضلا من الله ونعمة} (الحجرات:8) أي: إن الله حبب لعباده الإيمان، وأنعم عليهم هذه النعمة التي عدها فضلاً منه، وإحساناً ونعمة منه أنعمها عليهم. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} (الزخرف:59) أي: فما عيسى عليه السلام إلا عبد من عباد الله، أنعم عليه بالتوفيق والإيمان، وجعله آية لبني إسرائيل، وحجة لله عليهم، وليس هو كما تقول النصارى من أنه ابن الله تعالى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
خامسها: النعمة محمد صلى الله عليه وسلم، جاء على ذلك قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} (إبراهيم:29) كان تبديلهم نعمة الله كفراً في نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم الله به على قريش، فأخرجه منهم، وابتعثه فيهم رسولاً، رحمة لهم ونعمة منه عليهم، فكفروا به، وكذبوه، فبدلوا نعمة الله عليهم به كفراً. ونحو هذا قوله عز وجل: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله} (النحل:112) هذا الكفران تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به. ومثله أيضاً قوله جل شأنه: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون} (النحل:83) قال السدي: يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، أي: يعرفون نبوته، ثم ينكرونها، ويكذبونه.
سادسها: النعمة بمعنى نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، جاء على ذلك قوله عز وجل: {وأما بنعمة ربك فحدث} (الضحى:11) عن مجاهد في قوله سبحانه: {وأما بنعمة ربك فحدث} قال: بالنبوة. وعنه أيضاً قال: بالقرآن.
سابعها: النعمة بمعنى الثواب، جاء وَفْق هذا المعنى ذلك قوله سبحانه: {يستبشرون بنعمة من الله} (آل عمران:171) قال الطبري: يعني بما حباهم به تعالى ذكره من عظيم كرامته عند ورودهم عليه. وقال القرطبي: أي: بجنة من الله. ويقال: بمغفرة من الله.
ثامنها: النَّعمة -بفتح النون- المال والغنى، جاء على ذلك قوله تعالى: {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا} (المزمل:11) أي: أولي الغنى والترفه واللذة في الدنيا.
تاسعها: النعمة بمعنى الطاعة والعبادة، من ذلك قوله سبحانه: {صراط الذين أنعمت عليهم} (الفاتحة:7) أي: أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين أطاعوك وعبدوك. ونحوه قوله عز وجل: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} (النساء:69) أي: أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته، وحًسن عبادته. ووَفْق هذا المعنى قوله عز وجل: {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما} (المائدة:23) يعني: أنعم الله عليهم بطاعة الله في طاعة نبيه موسى عليه السلام، وانتهائهم إلى أمره، والانزجار عما زجرهما عنه.
عاشرها: النعمة سعة العيش ورغده، من ذلك قوله عز وجل: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن} (الفجر:15) أي: فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى {فأكرمه} بالمال، وأفضل عليه، {ونعمه} بما أوسع عليه من فضله، فيفرح بذلك ويُسر به. ونحو قوله تبارك وتعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} (فصلت:50) المعنى: إذا أنعم سبحانه على الإنسان، فكشف ما به من ضر، ورزقه غنى وسعة، ووهب له صحة جسم وعافية، أعرض عما دعاه إليه من طاعته، وصدَّ عنه.
حادي عشرها: النعمة بمعنى السلامة والعافية، جاء على ذلك قوله سبحانه: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} (آل عمران:174) يعني: رجعوا بعافية من ربهم، وسَلِموا من ملاقاة عدوهم.
ثاني عشرها: النعمة بمعنى الرخصة في التيمم عند عدم الماء والمرض، جاء على ذلك قوله سبحانه: {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} (المائدة:6) قال الطبري: "المعنى: يتم نعمته عليكم بإباحته لكم التيمم، وتصييره لكم الصعيد الطيب طهوراً، رخصة منه لكم في ذلك". ونحو هذا قال القرطبي.
ثالث عشرها: النعمة بمعنى سائر ما يتنعم به الإنسان، من ذلك قوله سبحانه في وصف حال أهل الجنة: {وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا} (الإنسان:20) أي: إذا نظرت في الجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين رأيت سائر ما يتنعم به الإنسان، كما قال تعالى: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} (الزخرف:71). وبحسب هذا المعنى كل الآيات التي جاءت بوصف الجنة بـ (النعيم) كقوله تعالى: {واجعلني من ورثة جنة النعيم} (الشعراء:85). وقوله سبحانه: {إن الأبرار لفي نعيم} (الانفطار:13).
وحاصل ما تقد،م أن لفظ (النعمة) أكثر ما جاء في القرآن الكريم بمعنى مطلق النعم، وجاء بدرجة تالية بمعنى المِنَّة، والإسلام، والإيمان، والطاعة والعبادة، والنبوة، والثواب، والسلامة والعافية، وسعة العيش، والمال والغنى، والرخصة، وسائر ما يتنعم به الإنسان في الجنة.