تعدُّ اللغة التركية من اللغات القديمة التي ترجمت معاني القرآن الكريم إليها؛ حيث ترجم الأتراك معاني القرآن الكريم بتمامه بعد قرن واحد من دخولهم الإسلام، وتحديداً في القرن الثالث الهجري، العاشر الميلادي، كما أنهم ترجموا معاني بعض آيات القرآن الكريم وسوره إلى لغتهم منذ دخولهم الإسلام، ولا سيما السور القصيرة التي كانوا يقرؤونها في صلاتهم؛ لأنهم كانوا يريدون أن يفهموا أحكام الإسلام.
ومع ذلك لا يُعرف تماماً من ترجم معاني القرآن إلى اللغة التركية، ولا متى ترجم؛ لأن الترجمات التي وُجدت في المكتبات التركية لم تكن أصلاً، بل كانت منسوخة عن أصل، وغير معلوم من ناسخها، ولا تاريخ نسخها. والذي يُروى في هذا الصدد أن الترجمات الأولى كانت خلال القرنين الرابع والخامس الهجريين.
وكان الأتراك قبل دخولهم الإسلام يستعملون في كتابتهم الحرف الأويغوري، وبعد إسلامهم استعملوا الحرفين: العربي، واللاتيني.
وقد اتخذت ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية شكلين رئيسين:
الشكل الأول: الترجمة الحرفية بين السطور
وصورة هذا الشكل من الترجمة أن يُكتب النص القرآني بتمامه، ويُكتب تحت كل كلمة معناها باللغة التركية. ويؤخذ على هذا الشكل من الترجمة عدم مراعاته قواعد اللغة التركية من حيث التركيب والنطق، فضلاً عن أن هذا الشكل من الترجمة لم يكن يتضمن توضيحات إلا في بعضها، وهي مجرد توضيحات قصيرة على هامش الصفحة. وقد أخذ الأتراك هذا الشكل من الترجمة من الإيرانيين؛ لأنهم كانوا يترجمون معاني القرآن إلى اللغة الفارسية قبل الأتراك، ثم انتقل هذا الشكل من الترجمة من آسيا الوسطى إلى الأناضول (تركيا) بواسطة علماء آسيا الوسطى المهاجرين إليها.
عموماً، فإن ترجمة معاني القرآن إلى اللغة التركية وفق هذا الشكل كانت كثيرة جدًّا، سواء منها الترجمة الجزئية لبعض سور القرآن، أو الترجمة الكلية لجميع القرآن.
الشكل الثاني: الترجمة التفسيرية
وهي ترجمة لمعاني القرآن الكريم مع الإيضاح، وغالباً ما يكون هذا الشكل من الترجمة للسور التي تُقرأ كثيراً، كقصار السور، وسور (يس) و(الملك) و(الكهف) وغيرها.
وقد تُرجمت معاني القرآن الكريم إلى اللغة التركية في وقت مبكر على يد هيئة من العلماء الأتراك، الذين اعتمدوا في ترجمتهم على الترجمة الفارسية للقرآن الكريم. وكانت هذه الترجمة ترجمة حرفية تركية بين السطور العربية، يُكتب تحت كل كلمة عربية معناها بكلمة تركية. وهذه الترجمة لم تصل إلينا، والمعلومات شحيحة عنها. وقد كشف الأستاذ زكي وليدي طوغان عن نسخة واحدة من هذه الترجمة في بخارى سنة (1914م) وهذه النسخة منسوخة من أصلها، ولكنها ناقصة، وناسخها وتاريخ نسخها مجهولان. وتوجد نسخة ثانية في متحف آثار الترك والإسلام، تاريخ نسخها سنة (734هـ) واسم ناسخها: محمد بن الحاج دولت شاه الشيرازي. وهذه الترجمة باللهجة التركية الشرقية (لهجة أوغوز) وقد درسها عبد القادر أرطوغان، وقدم عنها معلومات قيمة.
وفي عهد طوائف الملوك تُرجمت معاني القرآن باللغة التركية؛ تُرجمت أولاً قصار السور، وسور أخرى، ثم تُرجم القرآن الكريم كاملاً. وفي عهد الدولة العثمانية وُجدت ترجمات كثيرة لسور من القرآن الكريم، وكثير من نسخ هذه الترجمات موجود في المكتبة السليمانية في إسطنبول.
وبعد قرن واحد من تأسيس الدولة العثمانية (1299م) بدأ العثمانيون يفسرون القرآن ويترجمون معانيه إلى اللغة التركية، ووُجِدت نسخ لهذه الترجمات في مكتبات إسطنبول، وبروسيا، وغير ذلك من مكتبات الأناضول.
في عهد السلطان عبد الحميد الثاني جوَّز كثير من العلماء الأتراك ترجمة معاني القرآن إلى اللغة التركية، منهم شيخ الإسلام موسى كاظم، وأحمد جودت باشا، وبركت زاده إسماعيل حقي، حتى إن أحمد جودت ترجم آيات كثيرة من سورة يوسف، وسري باشا فسر سورة الفرقان وترجمها في مجلدين، وسورة يوسف في ثلاثة مجلدات. ولشيخ الإسلام موسى كاظم ترجمة وتفسير باسم (صفوة البيان) في مجلد، يحتوي تفسير سورة الفاتحة والبقرة فحسب. وترجم بركت زاده القرآن بتمامه باسم (أنوار القرآن).
ومن الناس من كان يريد قراءة ترجمة القرآن في الصلاة، بيد أن بعض العلماء خالفه في ذلك خلافاً شديداً، وعلى رأسهم الشيخ مصطفى صبري رحمه الله.
وفيما يلي قائمة ببعض ترجمات معاني القرآن الكريم باللغة التركية:
- هيئة الترجمة الشريفة، القرآن الكريم بالتركية، إسطنبول 1926م.
- ترجمة القرآن الكريم، جميل سعيد، إسطنبول 1340هـ-1924م.
- هيئة، البيان في آيات القرآن الكريم مع ترجمته إلى اللغة التركية، إسطنبول 1924م.
- نور البيان، ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية، حسين كاظم قدري، إسطنبول 1922م.
- ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية، إسماعيل حقي الإزميري، إسطنبول 1344هـ-1926م.
- ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية، سليمان توفيق أوززولو أوغلي، إسطنبول 1927م.
- القرآن الكريم المترجم إلى التركية، توفيق أوززولو أوغلي، إسطنبول 1924-1926م.
- ترجمة القرآن، أبرهم عامر خانجانس، وارنة 1910م.
- ومن العلماء الأتراك الذي اشتهروا بترجمة معاني القرآن الكريم محمد حمدي يازر (1878-1942م) وهو عالم تركي مسلم، اشتهر بالإلهيات، والمنطق، وترجمة القرآن، وعلم التفسير، والفقه، والفلسفة، والموسوعية.
هذا، وقد قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف سنة (1428هـ) بإصدار ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة التركية، وأشرف على هذه الترجمة مجموعة من الأساتذة المتخصصين، وراجعها الأستاذ صدر الدين بن عمر كوموش.
* اعتمدنا في تحرير مادة هذا المقال على كتاب (تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة التركية) للأستاذ صدر الدين بن عمر كوموش.