سورة (ق) هي السورة الخمسون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الرابعة والثلاثون بحسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة المرسلات، وقبل سورة البلد. وهي مكية كلها، قال ابن عطية: بإجماع من المتأولين. وعدد آياتها خمس وأربعون آية.
قال ابن كثير: "وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح...وأما ما يقوله العوام: إنه من {عم} (النبأ:1) فلا أصل له، ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين فيما نعلم. والدليل ما رواه أوس بن حذيفة، قال: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزِّبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده. فإذا عددت ثمانياً وأربعين سورة، فالتي بعدهن سورة {ق}...والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار، كالعيد والجمع؛ لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعاد والقيامة والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب".
تسميتها
سميت في عصر الصحابة سورة {ق} فقد روى مسلم عن قطبة بن مالك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الصبح سورة ق، والقرآن المجيد). وهي من السور التي سميت بأسماء الحروف الواقعة في ابتدائها مثل: {طه} و{ص} و{ق} و{يس} لانفراد كل سورة منها بعدد الحروف الواقعة في أوائلها، بحيث إذا دعيت بها لا تلتبس بسورة أخرى. .
وروى مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها، قالت: ما أخذت {ق والقرآن المجيد} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرؤها في كل جمعة على المنبر إذا خطب للناس. وعند أبي داود: وكانت تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً.
وروى الدارمي عن عبد الله رضي الله عنه موقوفاً عليه: (إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن لكل شيء لباباً، وإن لباب القرآن المفصَّل). قال البقاعي: "ويشبه أن يكون مرفوعاً حكماً".
وروى الترمذي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أبا واقد الليثي رضي الله عنه: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ به في الفطر والأضحى؟ قال: يقرأ بـ {ق والقرآن المجيد}، و{اقتربت الساعة وانشق القمر}.
مقاصدها
تضمنت هذه السورة عجيب الكفار من مجيء منذر منهم، وأنكروا البعث قائلين: {ذلك رجع بعيد} (ق:3) مع أن الله سبحانه خلقهم أول مرة؛ وعابت عليهم أنهم لم ينظروا إلى آيات قدرته في خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} (ق:8) وبينت أنهم يبصرون إحياء الله للأموات من آن لآخر في الزروع والأشجار {كذلك الخروج} (ق:11) أي: كذلك البعث. ثم حكت تكذيب الأقوام السابقين لأنبيائهم، فنزل بهم وعيد الله باستئصالهم، وبينت أنه تعالى خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفسه، وأنه أقرب إليه من حبل الوريد، وأن عليه رقباء من الملائكة ثابتين. وحكت أهوال الموت والقيامة، وغفلة الإنسان عن ذلك كله، وأن التابعين والمتبوعين في الكفر يختصمون لديه سبحانه، فيلقي التابعون مسؤولية كفرهم على المتبوعين، والمتبُوعُون يتبرؤون منهم، فيقول الله تعالى لهم: {لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} (ق:28-29) وحكت فوز المتقين بنعيم الجنة خالدين فيها أبداً: {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} (ق:35) ثم حثت النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر والتسبيح {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب * ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} (ق:39) ثم أبانت أنه سبحانه يحيى ويميت وإليه المصير، ثم نفت عن النبي صلى الله عليه وسلم مسئولية كفرهم، وأوجبت عليه مداومة التذكير {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} (ق:45).
وقد لخلص ابن عاشور ما تضمنته السورة من مقاصد في التالي:
أولها: التنويه بشأن القرآن.
ثانيها: أنهم كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه من البشر.
ثالثها: الاستدلال على إثبات البعث وأنه ليس بأعظم من ابتداء خلق السماوات وما فيها وخلق الأرض وما عليها، ونشأة النبات والثمار من ماء السماء وأن ذلك مثل للإحياء بعد الموت.
رابعها: تنظير المشركين في تكذيبهم بالرسالة والبعث ببعض الأمم الخالية المعلومة لديهم، ووعيد هؤلاء أن يحل بهم ما حل بأولئك.
خامسها: الوعيد بعذاب الآخرة ابتداء من وقت احتضار الواحد، وذكر هول يوم الحساب.
سادسها: وعد المؤمنين بنعيم الآخرة.
سابعها: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه وأمره بالإقبال على طاعة ربه وإرجاء أمر المكذبين إلى يوم القيامة وأن الله لو شاء لأخذهم من الآن ولكن حكمة الله قضت بإرجائهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكلف بأن يكرههم على الإسلام وإنما أمر بالتذكير بالقرآن.
ثامنها: الثناء على المؤمنين بالبعث بأنهم الذين يتذكرون بالقرآن.
تاسعها: إحاطة علم الله تعالى بخفيات الأشياء وخواطر النفوس.