أصل العقل في اللغة: الإمساك والاستمساك، كعَقَل البعير بالعقال، وعقل الدواء البطن. قال في "معجم مقاييس اللغة": تدل مادة (عقل) على حُبْسة في الشَّيء، أو ما يقارب الحُبْسة؛ من ذلك العقل، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل. قال الخليل: العقل: نقيض الجهل. يقال: عَقَل يعقِل عَقْلاً، إذا عرف ما كان يجهله قبلُ، أو انزجَر عمّا كان يفعلُه. والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة: عقل، وجمعه عقول. ورجل عاقلٌ، وقوم عُقَلاء، وعاقلون. ورجل عَقُول، إذا كان حسَنَ الفهم وافر العقل. وما له معقول، أي: عقل، ويقولون: فلان عَقُول للحديث، لا يفلت الحديثَ سَمْعُه. وعقل لسانه: كفه، ومنه قيل للحصن: معقل، وجمعه معاقل. والعقل الدِّيَة. يقال: عَقَلْتُ القتيلَ أعْقِله عقلاً، إذا أديتَ دِيَّته. والعاقلة: القوم تُقَسَّم عليهم الدية في أموالهم، إذا كان المقتول قد قُتِل خطأ، وهم بنو عمِّ القاتل الأدنَون وإخوتُه. وسميت الدية عقلاً؛ لأن الإبل التي كانت تؤخذ في الديات، كانت تُجمع، فتُعْقَل بفناء المقتول، فسميت الدية عقلاً، وإن كانت دراهم ودنانير. وقولهم: فلانة عقيلة قومها: كريمتهم وخيارهم. وعقيلة كل شيء: أكرمه.
ومادة (عقل) ومشتاقاتها تكررت في القرآن الكريم تسعاً وأربعين مرة، جاءت في جميع مكرراتها بصيغة الفعل، ولم تأت هذه المادة بصيغة الاسم، فوردت مرة بصيغة جمع الغائب الماضي في قوله تعالى: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه} (البقرة:57). وجاءت مرة بصيغة الجمع المتكلم في قوله سبحانه: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} (الملك:10). وجاءت مرة واحدة بصيغة المضارع المفرد في قوله عز وجل: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} (العنكبوت:43) وجاءت في أربعين وعشرين موضعاً بصيغة الجمع المخاطب من ذلك قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة:44). وجاءت في اثنين وعشرين موضعاً بصيغة الماضي الجمع من ذلك قوله سبحانه: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} (الأنفال:22).
ثم إن مادة (عقل) ومشتقاتها وردت في القرآن على عدة معان، منها:
- عَقَل بمعنى المعرفة والعلم، ورد وفق هذا المعنى قوله تعالى: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} (البقرة:75) أي: عرفوه، وعلموه. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل في قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل: {كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون} (البقرة:73) أي: لتعرفوا، وتفهموا أنه محق صادق فيما جاءكم، فتؤمنوا به، وتتبعوه. ووفق هذا المعنى كذلك قوله سبحانه: {قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} (الشعراء:28) أي: إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم.
- عَقَل بمعنى القلب الذي يفهم حقائق الأمور، من ذلك قوله عز وجل: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} (الرعد:4) أي: لعلامات لمن كان له قلب يفهم عن الله تعالى. ونحوه قوله تبارك وتعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} (الحج:46) أي: قلوب يعقلون بها حجج الله على خلقه وقدرته.
- عَقَل بمعنى التفكر في آيات الله ومواعظه، من ذلك قوله تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} (العنكبوت:35) أي: يتفكرون في آياته، ويعتبرون من مواعظه. ومثله قوله عز وجل: {وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} (الروم:24) أي: يتفكرون فيما بثه سبحانه من آيات في هذا الكون، تدل على عظمته، وأن الأمر كله لله.
- عَقَل بمعنى المنع عن الشيء، من ذلك قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة:44) أي: أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم.
- عَقَل بمعنى اتباع الحق والانقياد له، من ذلك قوله سبحانه: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} (الأنفال:22) عن مجاهد قال: {الصم البكم الذين لا يعقلون} قال: الذين لا يتبعون الحق.
وبما تقدم يُعلم أن لفظ (عقل) ومشتقاته ورد في القرآن على عدة معان، وأكثر ما ورد بمعنى المعرفة والعلم، ثم بدرجة أقل بمعنى القلب الذي تُفهم من خلاله حقائق الأمور، وبمعنى التفكر في آيات الله سبحانه، وبمعنى المنع عن الشيء، وورد بمعنى اتباع الحق والانقياد له.