مادة (رجع) أصل كبير مطرد، يدل على رد وتكرار، تقول: رجع يرجع رجوعاً: إذا عاد، فـ (الرجوع) العود إلى ما كان منه البدء. وراجع الرجل امرأته، وهي الرَّجعة وَالرِّجعة -بفتح الراء وكسرها-. وَالرُّجْعَى: الرجوع. وامرأة راجع: مات زوجها، فرجعت إلى أهلها. والترجيع: ترديد الصوت باللحن في القراءة وفي الغناء، وتكرير قول مرتين فصاعداً، ومنه: الترجيع في الأذان. ويقال: ليس لكلامه مرجوع، أي: جواب. والرجيع من الكلام: المردود إلى صاحبه أو المكرر. والارتجاع: الاسترداد. واسترجع فلان إذا قال: {إنا لله وإنا إليه راجعون} (البقرة:156).
وذكر الراغب الأصفهاني معنيين رئيسين لمادة (رجع):
الأول: بمعنى الرجوع، ومثَّل له بقوله سبحانه: {ولما رجع موسى إلى قومه} (الأعراف:150). وقوله عز وجل: {فلما رجعوا إلى أبيهم} (يوسف:63). وقوله سبحانه: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا} (النور:28).
الثاني: رجع بمعنى الإعادة، ومثَّل له بقوله عز وجل على لسان سليمان عليه السلام: {ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون} (النمل:28) فهذا بمعنى رَجْعِ الجواب. وكذا قوله سبحانه: {فناظرة بم يرجع المرسلون} (النمل:35).
ولفظ (رجع) ورد في القرآن الكريم ورد في ثلاثة ومائة (103) موضع، ورد في ثمانين منها بصيغة الفعل من ذلك قوله عز وجل: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} (البقرة:281). وورد بصيغة الاسم في ثلاثة وعشرين موضعاً من ذلك قوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا} (المائدة:48).
ولفظ (رجع) جاء في القرآن على عدة معان، نذكرها وفق التالي:
* رجع بمعنى الرد إلى سابق الأمر، من ذلك قوله تعالى ممتناً على نبيه موسى عليه السلام وقد نجاه الله من فرعون: {فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن} (طه:40) أي: رددناك إلى أمك كي تقر عينها بك ولا تحزن. ومنه كذلك قول الباري سبحانه: {فارجع البصر هل ترى من فطور} (الملك:3) أي: رُدَّ بصرك إلى السماء لترى فيما إذا كان بها فطور أو لا؟ وبحسب هذا المعنى كذلك قوله تبارك وتعالى: {ذلك رجع بعيد} (ق:3) أي: هو رد بعيد، أي: محال. والآيات كثيرة وفق هذا المعنى.
* رجع بمعنى عاد، من ذلك قول الحق تعالى: {لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون} (يوسف:46) أي: لعلي أعود إلى العزيز فأخبره بتأويل الرؤيا التي رآها في منامه. ومنه أيضاً قوله سبحانه على لسان سليمان عليه السلام: {ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها} (النمل:37) أي: عُدْ إليهم وأخبرهم أننا سنرسل إليهم جنوداً لا يستطيعون مواجهتها والوقوف أمامها. ومنه كذلك قوله تعالى على لسان المنافقين: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} (المنافقون:8) أي: إذا عدنا إلى المدينة.
* الرجعة بعد الطلاق، ويُسمى (الطلاق الرجعي) من ذلك قوله عز وجل: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} (البقرة:230) هذا من الرجعة بعد التطليقة الأولى أو الثانية.
* رجع بمعنى الرجوع إلى الدنيا، من ذلك قوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} (الأنبياء:95) أي: لا يُرَدَّوْن إلى الحياة الدنيا. ومنه أيضاً قوله عز وجل: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون} (المؤمنون:99) أي: ردوني إلى الحياة الدنيا لأستدرك ما فاتني من التقصير في جنب الله.
* الرجوع بمعنى الإقبال على النفس بالملامة والعتاب، من ذلك قوله سبحانه على لسان قوم إبراهيم عليه السلام: {فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون} (الأنبياء:64) أي: فأقبلوا على أنفسهم بالملامة والعتاب بسبب عبادتهم الأصنام التي لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً، ولا تغني عنهم من الله من شيء. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل: {يرجع بعضهم إلى بعض القول} (سبأ:31) أي: يتراجع الأتباع والمتبعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، بعد أن كانوا في الدنيا أخلاء أولياء.
* الرجوع بمعنى التوبة، من ذلك قوله عز من قائل: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} (الأعراف:68) أي: بلوناهم بالخير والشر لنرى: هل يتوبون إلى الله ويثوبون إليه، أو يستمرون في غيهم وضلالهم؟
* الرَّجْعُ بمعنى المطر، جاء على هذا المعنى قوله تعالى: {والسماء ذات الرجع} (الطارق:11) أي: ذات المطر. ترجع كل سنة بمطر بعد مطر. كذا قاله عامة المفسرين، وأهل اللغة. وليس في القرآن بحسب هذا المعنى سوى هذه الآية.
* رجع بمعنى مصير الخلق إلى الله تعالى، ومصير أمور العالم إلى كلمته سبحانه، جاء بحسب هذا المعنى كثير من الآيات، منها قوله عز وجل: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} (البقرة:156) أي: إن أصابتنا مصيبة أو ضراء فمصيرنا إليه سبحانه، لا إلى أحد سواه. ومنها أيضاً قوله سبحانه: {وإلى الله ترجع الأمور} (البقرة:210) أي: إن الأمور كلها مردها ومصيرها إليه سبحانه، فهو يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه، وهو السميع العليم.
فأما قوله سبحانه: {إن إلى ربك الرجعى} (العلق:8) {الرجعى} هنا بمعنى الرجوع، قال القرطبي: "الرجعى والمرجع والرجوع: مصادر، يقال: رجع إليه رجوعاً، ومرجعاً، ورجعى، على وزن فعلى".
بما تقدم يظهر أن مادة (رجع) في القرآن الكريم أكثر ما جاءت فعلاً، وأكثر ما جاء فعلها على معنى العود والرد، وجاء فعلها أيضاً على معنى العودة إلى الدنيا بعد الموت، وعلى معنى ملامة النفس على تقصيرها وإفراطها في حق الله سبحانه، وعلى معنى التوبة من الذنب. وجاءت مادة (رجع) بصيغة الاسم بمعنى المطر، وبمعنى المصير الذي يؤول إليه الخلق بعد الموت.