الحفاظ على المال مقصد أساس من المقاصد التي أجمعت الشرائع السماوية على حفظه ورعايته، ومن الآيات التي أرشدت على هذا المقصد قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} (النساء:5) لنا مع هذه الآية الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: (السفهاء) جمع سفيه، كما (العلماء) جمع عليم، و(الحكماء) جمع حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار. قال الراغب: "السَّفَه خفة في البدن، ومنه قيل: زِمَام سفيه: كثير الاضطراب، وثوب سفيه: رديء النسج. واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية. ثم جُعِلَ السَّفَه في الأمور الدنيوية هو المراد من لفظ {السفهاء} هنا، فـ {السفهاء} هنا هم المبذرون أموالهم، الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ويسيئون التصرف بإنمائها وتثميرها.
الوقفة الثانية: قوله سبحانه: {ولا تؤتوا السفهاء} الخطاب هنا لأولياء الأمور عموماً. وللمفسرين أقوال ثلاثة في المراد من {السفهاء} الذين نهى الله جل ثناؤه عباده أن يؤتوهم أموالهم:
الأول: أنهم النساء والصبيان؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: امرأتك وبنيك. وهذا مروي أيضاً عن عدد من التابعين.
الثاني: أن المراد بـ {السفهاء} ولد الرجل؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: لا تسلط السفيه من ولدك، فكان ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: نزل ذلك في {السفهاء} وليس اليتامى من ذلك في شيء.
الثالث: أن يراد بـ {السفهاء} كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال؛ فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفاً بهذه الصفة. وهذا القول هو الذي صوبه جمع من المفسرين؛ منهم الطبري، فقد قال: "والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عم بقوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، فلم يخصص سفيهاً دون سفيه. فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان، أو رجلاً كبيراً، ذكراً كان أو أنثى". وقال الرازي مصوباً هذا القول: "وهذا القول أولى؛ لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز". وروى القرطبي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قوله: {السفهاء} هنا كل من يستحق الحَجْر. ثم قال: "وهذا جامع" أي قول جامع يدخل فيه كل سفيه. وقال صاحب "المنار": "وهو أحسن الأقوال". وقال ابن عاشور: "وهذا هو الأظهر؛ لأنه أوفر معنى؛ وأوسع تشريعاً".
وقد علل الطبري هذا التصويب بقوله: "إن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} (النساء:6) فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم، إذا بلغوا النكاح، وأُونس منهم الرشد، وقد يدخل في {اليتامى} الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال، الذكور دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور.
وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين أُمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم إليهم، وأجيز للمسلمين مبايعتهم ومعاملتهم، غير الذين أُمر أولياؤهم بمنعهم أموالهم، وحظر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم. فإذ كان ذلك كذلك، فبَيِّنٌ أن {السفهاء} الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم، هم المستحقون الحَجْر، والمـُستَوْجِبون أن يولى عليهم أموالهم، وأن من عدا ذلك فغير سفيه، لأن الحَجْر لا يستحقه من قد بلغ وأونس رشده". فـ (السفيه) الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحَجْرَ؛ بتضييعه ماله، وفساده، وإفساده، وسوء تدبيره ذلك.
الوقفة الثالثة: قوله سبحانه: {أموالكم التي جعل الله لكم قياما} للمفسرين أقوال في وجه إضافة (المال) إلى المخاطبين؛ مع أن (المال) للسفهاء، فقال بعضهم: أضافها إليهم؛ لأنها بأيديهم، وهم الناظرون فيها، فنُسبت إليهم اتساعاً، قال القاسمي: "إنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى؛ تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء، فكأن أموالهم عين أموالهم؛ لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسي والنسبي، مبالغة في حملهم على المحافظة عليها"، كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء:29) أي: لا يقتل بعضكم بعضاً، حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغة في زجرهم عن قتلهم، فكأن قتلهم قتل أنفسهم. وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطاً لمعاش أصحابها بجعلها مناطاً لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: {التي جعل الله لكم قياما} أي: جعلها الله شيئاً تقومون وتنتعشون، فلو ضيعتموها لضعتم.
وقال آخرون: أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم؛ فإن الأموال جُعلت مشتركة بين الخلق، تنتقل من يد إلى يد، ومن مُلْك إلى مُلْك، أي هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم، وتصونكم، وتعظم أقداركم، وبها قِوام أمركم.
وقيل: إن المراد أموال المخاطبين حقيقة، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك، وتبقى فقيراً تنظر إليهم وإلى ما في أيديهم، بل كن أنت الذي تنفق عليهم.
وقد قال الشيخ رشيد رضا في "مناره": "إنما قال: {أموالكم} ولم يقل: (أموالهم) مع أن الخطاب للأولياء، والمال للسفهاء الذين في ولايتهم؛ للتنبيه على أمور:
أحدها: أنه إذا ضاع هذا المال، ولم يبق للسفيه من ماله ما ينفق منه عليه، وجب على وليه أن ينفق عليه من مال نفسه، فبذلك تكون إضاعة مال السفيه مفضية إلى شيء من مال الولي، فكأن مالَه عين مالِه.
ثانيها: أن هؤلاء {السفهاء} إذا رشدوا، وأموالهم محفوظة لهم، وتصرفوا فيها تصرف الراشدين، وأنفقوا منها في الوجوه الشرعية من المصالح العامة والخاصة، فإنه يصيب هؤلاء الأولياء حظ منها.
ثالثها: التكافل في الأمة، واعتبار مصلحة كل فرد من أفرادها عين مصلحة الآخرين".
وأجاب الرازي بجوابين تبعاً للزمخشري، أحدهما: أنه أضاف المال إليهم لا لأنهم ملكوه، بل لأنهم ملكوا التصرف فيه، قال: ويكفي لحسن الإضافة أدنى سبب. ثانيهما: قوله: إنما حسنت هذه الإضافة إجراء للوحدة بالنوع مجرى الوحدة بالشخص، ونظيره قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} (البقرة:85) ومعلوم أن الرجل منهم ما كان يقتل نفسه، وإنما كان بعضهم يقتل بعضاً، وكان الكل من نوع واحد، فكذا ها هنا المال شيء واحد، ينتفع به نوع الإنسان، ويحتاج إليه؛ فلأجل هذه الوحدة النوعية حسنت إضافة أموال {السفهاء} إلى أوليائهم.
ونظر الشيخ ابن عاشور إلى هذه الإضافة من باب فلسفة المال في الإسلام، فقال: "وأضيفت الأموال إلى ضمير المخاطبين إشارة بديعة إلى أن المال الرائج بين الناس هو حق لمالكيه المختصين به في ظاهر الأمر، ولكنه عند التأمل تلوح فيه حقوق الأمة جمعاء؛ لأن في حصوله منفعة للأمة كلها؛ لأن ما في أيدي بعض أفرادها من الثروة يعود إلى الجميع بالمصلحة، فمن تلك الأموال ينفق أربابها، ويستأجرون، ويشترون، ويتصدقون، ثم تورث عنهم إذا ماتوا، فينتقل المال بذلك من يد إلى غيرها، فينتفع العاجز والعامل والتاجر والفقير وذو الكفاف، ومتى قلَّت الأموال من أيدي الناس، تقاربوا في الحاجة والخصاصة، فأصبحوا في ضَنْك وبؤس، واحتاجوا إلى قبيلة أو أمة أخرى؛ وذلك من أسباب ابتزاز عزهم، وامتلاك بلادهم، وتصيير منافعهم لخدمة غيرهم، فلأجل هاته الحكمة أضاف الله تعالى الأموال إلى جميع المخاطبين؛ ليكون لهم الحق في إقامة الأحكام التي تحفظ الأموال والثروة العامة". وختم بالقول: "وهذه إشارة لا أحسب أن حكيماً من حكماء الاقتصاد سبق القرآن إلى بيانها".
الوقفة الرابعة: جعل سبحانه الأموال {قياما} للناس، تقوم وتثبت بها منافعهم ومرافقهم، ولا يمكن أن يوجد في الكلام ما يقوم مقام هذه الكلمة، ويبلغ ما تصل إليه من البلاغة في الحث على الاقتصاد، وبيان فائدته ومنفعته، والتنفير عن الإسراف، والتبذير الذي هو شأن {السفهاء} وبيان عاقبته وسوء مغبته؛ فكأنه قال: إن منافعكم ومرافقكم الخاصة ومصالحكم العامة لا تزال قائمة ثابتة ما دامت أموالكم في أيدي الراشدين المقتصدين منكم، الذين يحسنون تثميرها وتوفيرها، ولا يتجاوزون حدود المصلحة في إنفاق ما ينفقونه منها، فإذا وقعت في أيدي {السفهاء} المسرفين الذين يتجاوزون الحدود المشروعة، والمعقولة يتداعى ما كان من تلك المنافع سالماً، ويسقط ما كان من تلك المصالح قائماً، فهذا الدين هو دين الاقتصاد والاعتدال في الأموال كالأمور كلها؛ ولذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} (الفرقان:67) فهذه الآية شارحة للفظ {قياما} في الآية التي نحوم حولها، وقد نهانا القرآن عن التبذير، حتى في مقام الإنفاق والتصدق، وجعل المبذر كالشيطان مبالغاً في الكفر، وبيَّن سوء عاقبة المتوسع في النفقة إلى حد الإسراف، كما في قوله سبحانه: {ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} (الإسراء:26-27).
الوقفة الخامسة: استدل بعموم الآية من قال بالحَجْر على السفيه البالغ، سواء طرأ عليه، أم كان من حين البلوغ. ومن قال بالحَجْر على من يُخْدَع في البيوع. ومن قال بأن من يتصدق على محجور، وشَرَط أن يُتْرك في يده، لا يُسمع منه في ذلك.
الوقفة السادسة: ذهب الشافعي إلى أن البالغ إذا كان مبذراً للمال مفسداً له، يُحْجَر عليه. وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه. حجة الشافعي: أنه سفيه، فوجب أن يُحجر عليه، واعتباره سفيهاً، لأن السفيه في اللغة، هو من خف وزنه، ولا شك أن من كان مبذراً للمال، مفسداً له من غير فائدة، فإنه لا يكون له في القلب وَقْع عند العقلاء، فكان خفيف الوزن عندهم، فوجب أن يسمى بالسفيه، وإذا ثبت هذا، لزم اندراجه تحت قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}. قال السيوطي: "في هذه الآية الحَجْر على السفيه. وأنه لا يُمَكَّنُ من ماله. وأنه يُنْفَق عليه منه ويُكسى، ولا يُنْفق في التبرعات. وأنه يقال له معروف، كـ (إن رشدت دفعنا إليك مالك، وإنما يحتاط لنفعك).
الوقفة السابعة: قال الشيخ رشيد رضا: "في هذه الآية تحريض على حفظ المال، وتعريف بقيمته، فلا يجوز للمسلم أن يبذر أمواله، وكان السلف من أشد الناس محافظة على ما في أيديهم، وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الحلال، فأين من هذا ما نسمعه من بعض الدعاة والخطباء من تزهيد الناس، وإغرائهم بالكسل والخمول، حتى صار المسلم يعدل عن الكسب الشريف إلى الكسب المرذول من الغش، والحيلة، والخداع؛ ذلك أن الإنسان ميال بطبعه إلى الراحة، فعندما يسمع من الخطباء، والعلماء، والصلحاء عبارات التزهيد في الدنيا، فإنه يُرضي بها ميله إلى الراحة، ثم إنه لا بد له من الكسب، فيختار أقله سعياً، وأخفه مُؤْنة، وهو أخسه، وأبعده عن الشرف، على أن هذا التزهيد في الدنيا من هؤلاء، لم يأت بما يساق لأجله من الترغيب في الآخرة، والاستعداد لها، بل إن خطباءنا، ووعاظنا قد زهدوا الناس في الدنيا، وقطعوهن عن الآخرة، فخسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وما ذلك إلا لجهلهم وعدم عملهم بما يعظون به غيرهم، والواجب على المسلم العارف بالإسلام أن يبين للناس الجمع بين الدنيا والآخرة.
الوقفة الثامنة: قال الإمام الرازي: "أمر تعالى المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال، قال تعالى: {ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} (الإسراء:26-27) وقال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} (الإسراء:29). وقال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} (الفرقان:67) وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة، حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن، والعقل أيضاً يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال، لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال؛ لأن به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار، فمن أراد الدنيا بهذا الغرض، كانت الدنيا في حقه من أعظم الأسباب المـُعِينة له على اكتساب سعادة الآخرة، أما من أرادها لنفسها ولعينها، كانت من أعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة".
الوقفة التاسعة: من المفيد هنا أن ننقل ما ذكره الشيخ رشيد رضا عند تفسيره لهذه الآية، قال: "ماذا جرى لنا نحن المسلمين بعد هذه الوصايا، والحِكَم، حتى صرنا أشد الأمم إسرافاً، وتبذيراً، وإضاعة للأموال، وجهلاً بطرق الاقتصاد فيها، وتثميرها، وإقامة مصالح الأمة بها في هذا الزمن الذي لم يسبق له نظير في أزمنة التاريخ من حيث توقف قيام مصالح الأمم، ومرافقها، وعظمة شأنها على المال، حتى إن الأمم الجاهلة بطرق الاقتصاد، التي ليس في أيديها مال كثير قد صارت مستذِلِة، ومُسْتَعْبِدة للأمم الغنية بالبراعة في الكسب، والإحسان في الاقتصاد؟
وماذا جرى لتلك الأمم، التي يقول لها كتابها الديني: (إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات [24] وأقول لكم أيضاً إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله) إنجيل متى (23:19). ويقول أيضاً: (لا تقدرون أن تخدموا لله والمال [25] لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم) إنجيل متى (24:6). ويقول أيضاً: (لا تقتنوا ذهبا ولا فضة} إنجيل متى (9:10) ماذا جرى لها في دينها، حتى صارت أبرع الخلق في فنون الثروة، والاقتصاد، وأبعدها عن الإسراف، والتبذير، وسادت بالغنى والثروة على جميع أمم الأرض؟ ألا وهي أمم الغرب.
وكيف جاز أن يسمى ما نحن عليه مَدَنِيَّة إسلامية، مع مخالفتنا للقرآن في هذا الأمر الذي هو قِوام المدنية، كما خالفه غير قليل من المسلمين في أكثر ما أرشد إليه؟ وكيف جاز أن تسمى مدنيتهم مَدَنِيَّة مسيحية مع بناء تعاليم المسيح على المبالغة في الزهد وبغض المال، كما هو صريح في الأناجيل التي بين أيدي القوم يدعون اتباعها، ويدعون إليها غيرهم، وهم لها مخالفون، وعنها معرضون!
أما السبب فيما نحن عليه من سوء الحال في دنيانا، ومخالفة نص كتابنا فهو ظاهر معروف عند الباحثين، وهو أننا أخذنا بالتقليد الذي حرمه الله علينا، وتركنا هداية القرآن، ونبذناه وراء ظهورنا، وأخذنا في الأخلاق، والآداب التي هي روح حياة الأمم بأقوال فلان وفلان من الجاهلين، الذين لبسوا علينا بلباس الصالحين، فنفثوا في الأمة سموم المبالغة في التزهيد، والحث على إنفاق جميع ما تصل إليه اليد، وإنما كان يريد أكثرهم إنفاق كسب الكاسبين عليهم، وهم كسالى لا يكسبون، لزعمهم أنهم بحب الله مشغولون!
حتى صار من المعروف المقرر عند جميع شعوب المسلمين إدرار المال والرزق على علماء الدين، وشيوخ الطرق، فهم يأكلون مال الأمة بدينهم، ويرون أن لهم الفضل عليها بقبوله منها، وإن قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في "الصحيحين"-: (اليد العليا خير من اليد السفلى).