سورة (الزمر) هي السورة التاسعة والثلاثون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة التاسعة والخمسون في ترتيب النزول على المختار، نزلت بعد سورة سبأ، وقبل سورة غافر، وهي سورة مكية، نزلت قبيل هجرة المؤمنين إلى الحبشة، أي في سنة خمس قبل الهجرة. وعدد آياتها خمسون وسبعون آية (75).
تسميتها
سميت سورة (الزمر)؛ لوقوع هذا اللفظ فيها دون غيرها من سور القرآن؛ وذلك قوله تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا} (الزمر:71) وقوله سبحانه: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} (الزمر:74) فذكر فيها زمر الفريقين أهل الشقاوة وأهل السعادة وتفصيل الجزاء وإلزام الحجة وبطلان المعذرة.
وتسمى أيضاً سورة (الغُرَف) روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه. وفي "تفسير القرطبي" عن وهب بن منبه، أنه سماها سورة (الغُرَف) وتناقله المفسرون. ووجه ذلك؛ أنها ذُكر فيها لفظ (الغرف)، أي بهذه الصيغة دون الغرفات، في قوله تعالى: {لهم غرف من فوقها غرف} (الزمر:20).
مقاصدها
ألمع سيد قطب رحمه الله إلى أن "هذه السورة تكاد تكون مقصورة على علاج قضية التوحيد. وهي تطوف بالقلب البشري في جولات متعاقبة، وتوقع على أوتاره إيقاعات متلاحقة، وتهزه هزًّا عميقاً متواصلاً؛ لتطبع فيه حقيقة التوحيد، وتمكنها، وتنفي عنه كل شبهة، وكل ظل يشوب هذه الحقيقة".
وبالإضافة إلى إبرازها حقيقة التوحيد، فإن ظل الآخرة يجلل هذه السورة من أولها إلى آخرها، وسياقها يُطوّف بالقلب البشري في كل شوط من أشواطها القصيرة، ويعيش به في ظلال العالم الآخر معظم الوقت.
ويمكن رصد مقاصد هذه السورة بشيء من التفصيل وفق التالي:
* التنويه بشأن القرآن تنويهاً تكرر في ستة مواضع من هذه السورة؛ لأن القرآن جامع لمقاصدها، ومقاصدها كثيرة، تحوم حول إثبات تفرد الله تعالى بالإلهية، وإبطال الشرك فيها، وإبطال تعلللات المشركين؛ لإشراكهم وأكاذيبهم، ونفي ضَرْب من ضروب الإشراك، وهو زعمهم أن لله ولداً.
* الاستدلال على وحدانية الله في الإلهية بدلائل تفرده بإيجاد العوالم العلوية والسفلية، وبتدبير نظامها، وما تحتوي عليه مما لا ينكر المشركون انفراده به.
* الإشارة إلى الخلق العجيب في أطوار تكون الإنسان والحيوان، والاستدلال عليهم بدليل من فعلهم، وهو التجاؤهم إلى الله عند ما يصيبهم الضر.
* بيان أن دين التوحيد هو الذي جاءت به الرسل من قبل. والتحذير من أن يحل بالمشركين ما حل بأهل الشرك من الأمم الماضية.
* إعلام المشركين بأنهم وشركاءهم لا يُعبأ بهم عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالله غني عن عبادتهم، ورسوله لا يخشاهم، ولا يخاف أصنامهم؛ لأن الله كفاه إياهم جميعاً.
* الدلالة على أنه سبحانه صادق الوعد، وأنه غالب لكل شيء، فلا يعجل؛ لأنه لا يفوته شيء، ويضع الأشياء في أوفق محالها.
* تمثيل حال المؤمنين وحال المشركين في الحياتين: الحياة الدنيا، والحياة الآخرة.
* دعاء المشركين للإقلاع عن الإسراف على أنفسهم، ودعاء المؤمنين للثبات على التقوى ومفارقة دار الكفر.
* تخلل السورة وعيد ووعد، وأمثال، وترهيب وترغيب، ووعظ، وإيماء بقوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون} (الزمر:8) إلى أن شأن المؤمنين أنهم أهل علم، وأن المشركين أهل جهالة؛ وذلك تنويه برفعة العلم، ومذمة الجهل.
* دعوة الناس إلى التدبر فيما يُلقى إليهم من القرآن، الذي هو أحسن الحديث. وتنبيههم على كفرانهم شكر النعمة. والمقابلة بين حالهم وبين حال المؤمنين المخلصين لله.
* تضمنت السورة لمسات من واقع حياة البشر، وسبر أغوار نفوسهم، {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله} (الزمر:9). {فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم} (الزمر:49).
* إثبات البعث والجزاء؛ لتجزى كل نفس بما كسبت، وتمثيل البعث بإحياء الأرض بعد موتها، وضرب لهم مثله بالنوم والإفاقة بعده، وأنه يوم الفصل بين المؤمنين والمشركين.
* بيان أنه سبحانه أنزل كلاً من المحشورين داره المعدة له، بعد الإعذار في الإنذار، والحكم بينهم بما استحقه أعمالهم؛ عدلاً منه سبحانه بأهل النار، وفضلاً على المتقين الأبرار.
* صورت السورة بعضاً من مشاهد القيامة، وما فيها من فزع، {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} (الزمر:68) ومشاهد أُخر فيها إنابة وخشوع {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} (الزمر:75).
* خُتمت السورة بصورة من صور يوم الحساب للفصل بين العباد؛ حيث الملائكة محيطون حول عرش الرحمن، يسبحون بحمده، ويحمدونه على قضائه وعدله بين العباد.