بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فإن الإسلام الذي بعث به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قد جاء منقذا من الكفر والجاهلية، وهاديا من الضلال والوثنية، ومخرجا من الظلمات إلى النور، ومرشدا إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
دعامتان أساسيتان:
وهذا الإسلام له مصدران ودعامتان أساسيتان: كتاب وسنة، قرآن من الله العظيم، وهدي من النبي الكريم، فيهما الحق والعدل، والهداية الكاملة والحياة الطيبة؛ بمعنى أن الإسلام دين يرتكز على أسس وقواعد ومبادئ ومثل وتشريعات ثابتة واضحة، وأحكام عادلة خالدة، وآداب سامية رفيعة، لأنها تنزيل من حكيم خبير، وتبيان من رسول لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
ولا ملاذ للمسلمين في كل زمان ومكان، ولا ملجأ لهم ولا عاصم إلا كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما حبل القوة والاعتصام، وسبب الهداية ومادة النور الماحي للظلام.
كتاب الله:
إن كتاب الله عز وجل هو السبيل الموصلة إلى الهداية والسعادة في الحياتين، والنور المضيء الذي فرق بين الحق والباطل، والمرشد الأمين الذي هدى إلى مكارم الأخلاق، وهو العروة الوثقى وحبل الله المتين، لا يهلك من اعتصم به، ولا يضل من سار على نوره وهداه، وفي ذلك يقول الله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ... والله سميع عليم}، وقال سبحانه: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}.
إن كتاب الله عز وجل يجمع ولا يفرق، ويقوي ولا يضعف، يتقدم بالمتمسكين به ولا يتخلف بهم، يوحد الأمم المختلفة والشعوب المتباينة تحت راية الإسلام وعلم التوحيد، راية: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله.
إن كتاب الله عز وجل يصهر القوميات المتنافرة في بوتقة المحبة والإخاء والعقيدة الراسخة ذات المبادئ والأهداف الواحدة، ويربط بينها برباط الإسلام وعرى الدين، ويجعل منها أمة واحدة متماسكة القوة مجتمعة الأطراف متراصة الصفوف. قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}، وقال سبحانه: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وقال جل شأنه: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
فكتاب الله عز وجل قضى على العصبية والحمية الجاهلية والتفرقة على أساس العنصرية والقومية، إنه يؤلف بين القلوب، ويؤاخي بين العباد، ويقيم من الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم أمة واحدة تؤمن برب واحد وتدين بمبادئ وأهداف واجدة نبيلة. فالذين يؤمنون بهذا الكتاب ويهتدون بهديه، لا يختلفون ولا يتفرقون، ولا يتنازعون أمرهم بينهم، بل يتعاونون على البر والتقوى، ويتناصرون ويتكافلون، وفي سبيل إعلاء كلمة الله تعالى يضحون ويجاهدون عملا بقوله سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى}، وقوله: {وجاهدوا في الله حق جهاده}.
إن كتاب الله عز وجل في حقيقته ثورة وانتفاضة: ثورة الحق على الباطل، وانتفاضة الإيمان على الطغيان، وهو في تشريعاته القيمة، وأحكامه المفصلة وآياته المحكمات، وعظاته البالغات ثورة إصلاحية شاملة، تنظم الحياة، وتجتاح البغي والعدوان، وترسي قواعد الحق والعدل والإحسان؛ كما قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.
السنة المطهرة:
وإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي أقواله وأفعاله وتقريراته، تأتي في المرتبة التالية لكتاب الله عز وجل، وهي في الإسلام نهج قويم، وهدي متبع، وأسوة حسنة، وإن التمسك بها لا يقل أهمية عن التمسك بكتاب الله المعجز الخالد، فهي إلى جانب القرآن أساس دين الله تعالى ومصدر الشريعة الإسلامية السمحة الغراء، وقد قال الله وتعالى في كتابه الكريم: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وقال سبحانه: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}.
روى العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون، فقلنا: يارسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال:أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار](رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
إن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يوصينا بتقوى الله عز وجل، إذ هي أساس السعادة في الدنيا والآخرة، ويحذر من الاختلاف والتنازع، وشق عصا الطاعة، والخروج على الجماعة، وقد كشف الله له بصيرته، فرأى ما سيكون من الاختلاف الكثير بين هذه الأمة فدعا المسلمين إلى نبذ الخلاف والشقاق، والتمسك بسنته وطريقته وهديه، وما كان عليه أصحابه الهداة الراشدون، ثم يحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من محدثات الأمور، وبدع الزمن، وشعارات المذاهب البراقة التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي تصرف الناس عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتحول بيننا وبين العمل بديننا وإعلاء كلمة ربنا.
عودة لازمة:
لقد رأينا ما آل إليه حال المسلمين بعد أن نبذوا كتاب الله وراء ظهروهم، ورغبوا عن سنة نبيهم، فحل بهم الضعف والذل، وحاقت بهم الفتن، وضلوا ضلالا بعيدا.
فلنعد إلى كتاب الله وسنة رسوله، نستقي منهما، ونتبع هديهما، فنكون بذلكم من السعداء في الحياة الدنيا، والفائزين في الآخرة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وسنتي].