من منا لم يتعرض لصدمات أصابتنا بالإحباط تارة وأقعدتنا عن مسيرتنا الحياتية تارة أخرى؟ ومن منا لم تنتابه هزات أفقدتنا الثقة في أنفسنا برهة من الدهر؟
لكن تبقى مشكلتنا ليست في دفع الأزمات، فهذا لا سبيل إليه، إنما السبيل في كيفية إدارة ذواتنا خلال الأزمة، لأن أجواء الأزمة حالة استثنائية تحتاج إلى نمط استثنائي في التعامل والتأقلم حتى تمر المحنة بسلام دون أن تترك ندوبا نفسية تلازمنا طيلة العمر.
النفس اللوامة
«لوم النفس» منه المحمود ومنه المذموم، فما أجمل أن يكون اللوم مانعا لعدم تكرار الخطأ، ومنبها على أخذ العبرة والعظة من سقطاتنا، قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}[القيامة:1/2].. ووصف اللوامة مبالغة لأنها تكثر لوم صاحبها على التقصير. فإن النفوس على ثلاثة أنواع: فخيرها النفس المطمئنة، وشرها النفس الأمارة بالسوء، وبينهما النفس اللوامة.
قال الحسن: "ما يرى المؤمن إلا يلوم نفسه على ما فات ويندم، على الشر لم فعله؟ وعلى الخير لمَ لمْ يستكثر منه؟"
فهذه نفوس خيرة، حقيقة أن تشرف بالقسم بها، وما كان يوم القيامة إلا لكرامتها.
والمبالغة في لوم النفس مذموم لأنه يفتر الهمة ويورث الإحباط ويقعد صاحبه على تخطي الكبوات، ويسبب الشعور بالتعاسة والإحساس بالفشل.. وتلك آفات خطرها جسيم، حيث تستحوذ على تفكيرنا وتشل إرادتنا.
ومن صور لوم النفس المذموم النظر إليها دوما بعدسة الفشل؛ مما يقلل من أي إنجاز نحققه، كما أن عقلية الفشل لا تأخذ في الاعتبار الظروف الصعبة التي واجهناها أو مدى الصعوبات التي تخطيناها.
ومن صور لوم النفس المذموم السعي للكمال المطلق، وتجاهل طبيعتنا البشرية وقدراتنا المحدودة، وهناك أبحاث توضح أن الأشخاص التواقين للوصول للكمال هم الأكثر عرضة للاكتئاب والقلق والانتحار. وأيضًا هم أكثر الأشخاص عرضة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن (حالة من التعب المتكرر الذي لا يختفي حتى بعد الراحة). ويصبح الكمال عند هؤلاء الأشخاص شرط احترام الذات!! ولكن من منا يستطيع أن يظل جيدًا طوال الوقت، فهؤلاء الأشخاص دائمًا ما يعيشون في خوف مهابة الابتعاد عن مرتبة الكمال.
لذلك ينصح الخبراء بالإرشادات التالية لتلافي هذا الخلل:
• تخلص من فكرة أنه ليس هناك سوى نوعين من التفكير الأبيض والأسود.
• أشعر بالرضا عن نفسك فقط لأنك حاولت.
• أعط لنفسك حدودًا زمنية لإنجاز أي مهمة.
• توقف عن رؤية الأخطاء على أنها كارثة.
• حاول التركيز على الصورة الأشمل، وأوجد أفضل الطرق لتقييم الوضع الذي أنت فيه.
• العزوف الكامل عن تحمل المخاطر لا يعتبر الاستراتيجية الأمثل للنجاح في الحياة المهنية، حيث يجب على المرء تحمل بعض المخاطر المحسوبة التي تساعده على مواصلة التعلم وتعطي أفضل فرصة للتقدم.
• قدراتك ليست بمستوى واحد بل هي إلى التنوع أقرب، فبعضها يصل إلى مستوى الاستمتاع، وبعضها إلى مستوى المشاركة، وبعضها يصل إلى مستوى المنافسة .. اعرض قدراتك لمحكّات كثيرة وافحصها مسبقا قبل أن تخوض حياتك المهنية والاجتماعية. ما يمكنك المنافسة فيه هو مجال تميّزك وبقيّة قدراتك التي دون مستوى المنافسة وظّفها لخدمة القدرة التي تريد التميّز فيها.
البكاء على الأطلال
التحسر الشديد على أخطاء الماضي، يعيق التقدم للمستقبل، ويفتح الباب للتعاسة، ويقول المختصون: "كلما استرجع المرء ذكرياته السلبية، فإنه يعيشها بكل تفاصيلها ويتعايش معها بكل انفعالاته؛ إلا أن قدر هدر الطاقة المبذولة يحد من نشاطه العقلي، لدرجة يحتاج فيها إلى مدة زمنية أكبر للقيام بنفس المهمة؛ فينعكس ذلك سلبا على صحته النفسية، وينزلق دون رغبة في مزالق الإحباط، ما يزيد الأمر سوءا بسبب التداخلات النفسية العصبية المرَضية التي تبرز في أعراض التدهور المفاجئ لمعظم المهارات الذهنية، وخاصة القدرة على التذكر والتركيز والتردد في اتخاذ القرارات الاعتيادية بسبب فقدان الثقة في الذات".
قراراتك ليست معصومة
جلست سيدة في المطار تنتظر رحلتها، وأثناء فترة انتظارها قامت واشترت كتابا وكيسا من الحلوى لتقضي بهما وقتها.. فجأة، وبينما هي منغمسة في القراءة، أحست أن هناك شابة صغيرة قد جلست بجانبها، وأخذت قطعة من كيس الحلوى الذي كان موضوعا بينهما.
تجاهلتها السيدة في بداية الأمر, ولكنها شعرت بالانزعاج بينما استمرت هذه الشابة في مشاركتها الأكل من الكيس، لكن السيدة رأت أن تخطم نفسها بالحلم .. وهكذا في كل مرة كانت السيدة تتناول قطعة من الحلوى كانت الشابة تتناول واحدة أيضا، وتستمر المحادثة المستنكرة بين أعينهما، والسيدة متعجبة مما تفعله الشابة التي لا تعرفها مطلقا.
ثم إن الفتاة وبهدوء وبابتسامة خفيفة قامت باختطاف آخر قطعة من الحلوى، وقسمتها إلى نصفين، فأعطت السيدة نصفا بينما أكلت هي النصف الآخر.
أخذت السيدة القطعة بسرعة وقالت في نفسها: يا لها من جرأة، كما أنها غير مؤدبة حتى أنها لم تشكرني.
بعد ذلك بلحظات سمعت السيدة الإعلان عن بدأ موعد رحلتها، فجمعت أمتعتها وذهبت إلى بوابة صعود الطائرة دون أن تلتفت وراءها إلى المكان الذي تجلس فيه تلك الشابة المتطفلة. وبعدما صعدت إلى الطائرة ونعمت بجلسة مريحة أرادت وضع كتابها في الحقيبة, وهنا صعقت عندما وجدت كيس الحلوى الذي اشترته موجودا في حقيبتها.
يا إلهي .. لقد كان كيس الحلوى ذاك ملكا للشابة، وقد جعلتني أشاركها به.. حينها أدركت وهي متألمة بأنها هي التي كانت مخطئة, وربما متطفلة أيضا.
كم مرة في حياتنا كنا نظن بكل ثقة ويقين بأن شيئا ما يحصل بالطريقة الصحيحة التي حكمنا عليه بها, ولكننا نكتشف متأخرين بأن ذلك لم يكن صحيحا.
وكم مرة جعلنا فقد الثقة بالآخرين والتمسك بآرائنا -نحكم عليهم بغير العدل بسبب آرائنا المغرورة- بعيدا عن الحق والصواب.
من المهم جدا أن نفكر أكثر من مرة قبل أن نتخذ قرارا أو نحكم على الآخرين .. دعونا دوما نعطي الآخرين آلاف الفرص قبل أن نحكم عليهم بطريقة متسرعة أو سيئة.
الخلط بين الانشغال والإنتاجية
الكيف وليس الكم هو معيار أدائنا، فيمكن للمرء قضاء كل وقته في العمل إلا أن ذلك لا يعتبر سبيل الوصول للنجاح، حيث يجب التركيز على الأنشطة التي لها تأثير، وتدفع إلى إحراز تقدم فعلي ملموس، حيث يقاس النجاح في العمل عن طريق الأهداف المحققة، وليس نطاق أو حجم الانشغال.