تعتبر فترة الطفولة في الإنسان هي أطول طفولات الكائنات الحية، وخلال هذه الفترة يتم البناء الجسدي للطفل وتستمر حتى البلوغ ً، بعدها يصعب النمو في العضلات والعظام وعموم البدن تقريباً. وبالتالي فلابد أن يستوفى البناء الجسمي للطفل حقه خلال هذه الفترة الهامة.
ومنع الطفل عن اللعب أو تقييد حركته له مخاطر جمة بدينة ونفسية بل الأصل ومن تمام التربية أن تهيأ له فرصة طيبة لهذا واعتباره أمرا طبعياً ولازماً. وقد نبه على ذلك الإمام الغزالي في الأحياء فقال: "وينبغي له بعد الفراغ من المكتب (كتاب تحفيظ القرآن) أن يلعب لعباً جميلا يستفرغ إليه تعب الكتاب، بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائماً يميت القلب، ويهبط ذكاءه، وينغص العيش عليه حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً".
فإذا أخذنا في الاعتبار أن التكاليف الشرعية تنتظره وجوبا بمجرد بلوغه، وأنها تحتاج إلى بدن سليم بل كامل وبنية قوية كما هو الحال في الصلاة والصيام والحج والجهاد أدركنا ما لهذه التربية من أهمية.
لعب الأطفال:
تعتبر كثرة حركة الأطفال وميولهم الغريزية إلى اللعب نوعا من الهداية الربانية في بناء الجسم، كما أن اللعب هو مطلب نفسي؛ ولذلك راعت الشريعة هذا الأمر واعتبرته جزءاً لا يتجزأ من العملية البنائية والتربوية لدى الأطفال، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فتارة يداعبهم ويلاعبهم، وتارة يلقاهم يلعبون فيقرهم ويتركهم طالما لم تكن هناك مخالفات شرعية.
روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده فجعل يفر ههنا وههنا فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه فقبله.
وعن ابن عباس رضي الله عليه عنه قال: [مر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فاختبأت منه خلف باب فدعاني فحطأني حطأه (أي ضربني ضربة) ثم بعثني إلى معاوية فرجعت فقلت هو يأكل](رواه أحمد 1/338).
وكما لعب ابن عباس والحسين لعب أيضا أنس رضي الله عنه، فهاهو أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: [بينما ألعب مع الغلمان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلني في حاجة](متفق عليه).
وقصة عبد الله بن الزبير حينما مر عليه عمر وهو يلعب مع الغلمان، ففروا جميعاً خوفاً من عمر إلا ابن الزبير فسأله عمر لم لم تفر فقال: ما كانت الطريق ضيقة فأوسع لك، ولست مذنبا فأخاف منك.
بل وقد ثبت في السنة أنه عليه الصلاة والسلام كان يلعب في صغره مع أترابه حين جاء جبريل فأخذه من بينهم وشق صدره كما في الحادثة المشهورة (المسند 3/288)
وليس اللعب غريزة عند الذكور فقط، بل هو أيضا عند الجواري كذلك؛ فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكانت تأتيني صواحبي، فينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسربهن إلى فيلعبن معي](ينقمعن: أي يستترن)
المسابقات الرياضية:
اللعب والرياضة عمل هام جداً للأطفال، ورغم أن أكثرها يؤديه الطفل عفواً أو لمجرد الاستمتاع مع أقرانه إلا أن لها دوراً هاماً في تنشيط البدن والقلب، وفي تطوير الجسد والعقل، فلا ينبغي أن ينظر إليها على أنها مجرد مضيعة للوقت وإهدار للعمر، بل ينظر إليها على أنها ضرورة، وباب لتنمية قدرات الطفل ومواهبه، وباب للمعرفة وتحصيل المعلومات، وكذلك إقامة العلاقات مع أبناء جنسه، وهي كذلك باب لتفريغ الطاقة ومحاربة الكبت والانطوائية.
وإنما دور الآباء والمربين هو التوجيه وتصحيح الأخطاء، ومحاولة الدلالة على أنواع اللعب المفيدة، مع ترك مساحة لحرية اختيار الابن لنوعية اللعب واللعبة دون إجبار وتدخل مباشر.
الإسلام سباق دائما:
لن نعجب من سبق الإسلام في هذا الباب، فقد سبق الإسلام في كل مفيد نافع؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يُجري المسابقات بين الصغار ويكافئ الفائز منهم ففي مسند أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عليه عنه قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول : من سبق فله كذا وكذا... قال فيسبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، ويقبلهم ويلتزمهم].
وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام البني صلى الله عليه وسلم بناشئة الإسلام، وأنه كان يرعاهم بنفسه، ويجرى بينهم المسابقات على رغم شغله وكثرة أعبائه، وقد ورث عنه قادة الأمة هذه المهمة.... ومازال الدهر يصدح بما روى عن عمر بن الخطاب في قولته المشهورة (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل).
تلبية لابد منه:
ولابد ونحن نتكلم عن لعب الأطفال ورياضتهم أن نذكر أولياء الأمور والمربين إلى أن ألعاب زماننا منها الكثير المضر، فألعاب الكمبيوتر والأجهزة الحديثة أكثرها لا تفيد بدنا ولا تبني جسدا، ولا تصنع رجلاً، وإنما أكثرها خيال، ونهايتها وبال، وإذا لم ينتبه إليها علمت أولادنا الانحلال، ثم الانطوائية، ومحبة الانفراد والوحدة، وقطيعة الرحم، وعدم التعاون، والعيش في عالم خاص بعيد عن الواقع، هذا إذا أفلت من ضمور العضلات، والأمراض النفسية، والانحرافات العقدية.
إن الألعاب الهادفة هي التي تبني الجسم والعقل جميعاً بتعددها وتنوعها، وهي التي تعين على إيجاد جيل مستعد للدفاع عن دينه وعقيدته ووطنه، وهو أمر عظيم يحتاج بلا شك إلى تضافر جهود وبذل مجهود عسى أن يكون مستقبل أمتنا خيراً من حاضرها... اللهم آمين.