لدى كل المراهقين أسباب دائمة ومستمرة للغضب، ويقع في قمة تلك الأسباب نظرتهم الخاصة للحياة مما يجعل طموحاتهم وانطباعاتهم مختلفة عما لدى أسرهم منها، ويمكن أن نضيف إلى ذلك ارتباكهم الشخصي واضطرابهم في تعاملهم مع أنفسهم والتغيرات الجسمية والنفسية السريعة التي تطرأ عليهم خلال مرحلة المراهقة. مهما يكن الأمر، فإن الكبير يستطيع استيعاب الصغير، وجعلَ الغضب لديه يقف عند حدود معينة بشرط الاهتمام بذلك، والحقيقة أن لدينا الكثير من الآباء والأمهات الذين لا يشعرون بأشكال الأسى التي تتراكم في نفوس أبنائهم، فتجعلهم أشبه بقِدْر الضغط التي أُشعلت تحتها النار، وسُدّت جميع منافذها ...
أساليب لتخفيف غضب المراهق:
يستطيع الآباء والأمهات أن يخفضوا من حدة غضب أولادهم، بعدد من أساليب التعامل، منها:
أ- السماح للفتيان و الفتيات بالتعبير عما يجول في صدورهم من الاعتراضات والانتقادات، والشرط الوحيد هو أن يعبروا بطريقة صحيحة، ليتحدث الواحد منهم بصراحة تامة عن كل ما يزعجه وعن كل ما يراه غير لائق داخل أسرته، لكن بطريقة هادئة ومهذبة.
هذه بنت تشعر بأن والدتها غير عادلة في قسمة الأعمال المنزلية، فهي دائما تكلفها بالأعمال المزعجة، وذات يوم قالت لها والدتها: يا فلانة عليك أن تفعلي كذا وكذا، وعلى أختك فلانة أن تفعل كذا وكذا.. فما كان من البنت إلا أن انفجرت بالبكاء وصرخت في وجه والدتها: هذه قسمة غير عادلة، أنا منذ ثلاث سنوات أتعرض لظلم مقصود، ولن أسكت بعد اليوم ..
كانت والدتها حكيمة وصبورة، فسمحت لها بإفراغ الشحنة العاطفية لديها، وبعد أن هدأت قالت لها: أنا أدركت الآن يا بنيتي أنني لم أكن عادلة في القسمة، ولكن ثقي أن ذلك لم يكن مقصودًا، فكل واحدة منكما بمنزلة إحدى عيني، ولكن يا بنتي لم تكوني على صواب حين صرخت واتهمت... وأخذت الأم ببيان الأسلوب الصحيح للاحتجاج، واعتذرت البنت، وقبلت الأم الاعتذار، وقالت: الآن سأستدرك على ما أعتقد أنه خطأ وقعتُ فيه، وذلك بأن تتبادلي مع أختك العمل لمدة سنة، فما كنت تنجزينه في الماضي، تقوم أختك بإنجازه، وما كانت أختك تنجزه تقومين أنت به، وشعرت البنت فعلا بالرضا والطمأنينة.
ب- كثيرا ما يكتسب المراهقون الجرأة على الكلام الخشن والمواقف الحادة مما يشاهدونه في بيوتهم، فإذا كانت الأم كثيرة الغضب، أو كان الأب شديد النزق، فإن الأبناء يقلدونهم، ومع الأيام يستسهلون الصياح في وجوه آبائهم، ومن هنا فإن توفير بيئة هادئة مهذبة يساعد كثيرا على تنشئة أبناء هادئين ومنضبطين، وهذا يواجهنا جميعا ولا سيما أصحاب الطباع الحادة منا.
ت- نحن كثيرا ما نقع في خطأ فادح وهو متابعة الأبناء وتوجيه الملاحظات المستمرة لهم، وحين يكون هناك شيء إيجابي، فإننا لا نجد في معظم الأحيان الحماسة لتشجيعه والثناء عليه، وهذا يجعل المراهق يشعر بالغضب والضيق وشيء من الظلم، ومع الأيام تتراكم هذه المشاعر لتنفجر بطريقة غير واعية في صورة رفض ونزاع وعناد وخروج عن حدود الأدب في خطاب الأبوين. المطلوب هو غض الطرف عن الهفوات، وتقليل الملاحظات، إلى جانب الكرم في الثناء والتحفيز.
أحد الآباء يدخل دائما في صراع مع أبنائه، فإذا طلب من أحد أبنائه القيام بعمل، وأخذ الولد يتمتم بكلمات غير مسموعة، قال له: قف عندك، وأعد ما قلته، وهنا يرتبك الولد، ويشعر بحرج شديد، ولا يدرك الأب أن تمتمة ابنه هي للتنفيس عن الكرب الذي يشعر به، وأنه لا يعني ما يقول.
أب آخر يجري معه مثل ما جرى مع صاحبنا، لكنه يتعامل مع الأمور بسماحة أكثر، وبصبر أشد، إنه يتجاهل ما يراه، ويسمعه أو يحس به من أمور غير مناسبة، وفي ساعة صفاء يقول لابنه: في بعض الأحيان تتمتم بعبارات لا أسمعها، وأعتقد أنها ليست مناسبة، أنا أود أن تناقشني بهدوء في أي وقت عن سبب عدم اقتناعك بتنفيذ ما طلبته منك، وأنا جاهز للتراجع إذا ثبت أنه غير مناسب.
المراهق كائن يشعر في أحيان كثيرة أنه يفتقر إلى التوازن، وإلى ضبط رغباته ونزعاته، ويشعر أنه مغلوب على أمره، وإن إدراكنا لهذا سوف يجعلنا نعامله بالرحمة والشفقة عوضا عن أن نطبّق عليه القوانين الاجتماعية الصارمة.