كان الشيخ القسام - رحمه الله تعالى - إمامـًا وخطيبـًا لجامع الاستقلال في مدينة حيفا بفلسطين ، وقد عرف - رحمه الله تعالى - بشجاعته ، وصلابته في الحق وتفانيه في خدمة الإسلام ، وحين رأى حالة المسلمين في بلاده ، وسيطرة الكفار المستعمرين الإنجليز عليهم ، وهم الذين يوالون اليهود ويمدونهم بالسلاح والعتاد ، اختار جماعة من إخوانه المؤمنين ، وأخذ يدربهم سرًا على حمل السلاح ، وينفث فيهم روح المصابرة على جهاد الأعداء ، حتى استطاع رحمه الله أن يكون منهم كتيبة .
ولما رأى وعلم حاكم لواء حيفا - وهو من الإنجليز - بما يفعله الشيخ ، أرسل إليه وقال له : يا شيخ إنك متحرك وذو نشاط مناوئ لنا فرد عليه قائلاً ، بعد أن أخرج المصحف الشريف من جيب جبته : هذا الكتاب العظيم يأمرنا بالجهاد ولا نخالفه . ثم أعلن الشيخ الجهاد عن طريق الفتك بالإنجليز ، فخرج يقود كتيبته وهم يترصدون العدو ، فقتل أفرادًا منهم في مدينة بيسان ، ثم سار بمن نجا حتى وصل أحراش يعبد بالقرب من مدينة جنين ، فاتخذها مقرًا له .
وفي 19 نوفمبر 1935م استشهد أحد أفراد الكتيبة عندما كان يراقب الطريق، وفي فجر اليوم التالي طوقت قوات بريطانية ضخمة تلك الأحراش ، تساعدها طائرات استكشافية ، وبعد قتال استمر حتى العاشرة صباحـًا انتهت المعركة باستشهاد الشيخ القسام وأربعة من كتيبته ، وأُسر الباقون ، وقد قتل جندي بريطاني، وجرح اثنان جراحـًا بالغة ، فأصدرت السلطة بلاغـًا بالحادث نعتت فيه الشيخ القسام وصحبه بالأشقياء .
ورغم خطورة الموقف وإرهاب الإنجليز استطاع المسلمون أن يشيعوا المجاهدين الشهداء باحتفال عظيم ، جرت في أثنائه مع قوة بريطانية مناوشة ، أدت إلى ارتدادها وتحطيم نوافذ دائرة البوليس وأبوابها ، وقد هز هذا الحادث البلاد هزًا عنيفـًا ، فيصح اعتباره مقدمة لثورة 1936م .
استمر الجهاد بعد هذا الحادث ودخلت الجيوش الثمانية المعروفة ، ولم يترك بعض العلماء الجهاد ، ولكن كانت النتيجة المخزية ، بإنشاء دولة إسرائيل ، لتكون رأس جسر الاستعمار ، ثم حولت قضية هذا الوطن المقدس من قضية إسلامية بين المسلمين جميعـًا وبين اليهود ومعهم الكافر المستعمر ، إلى قضية محلية بين العرب واليهود ، ثم انتقلت من قضية سياسية عسكرية إلى قضية لاجئين وحدود وتعويضات، مع أن هذه القضية في الحقيقة والواقع ، قضية المسلمين أجمعين ، والنزاع فيها نزاع بين حق المسلمين وباطل اليهود ومعهم الاستعمار ، وفي مقدمته أمريكا وبريطانيا .
إنها قضية سياسية عسكرية ، ليس لها إلا حل واحد ، هو النزول للجولة الثانية ، والعودة إلى مواصلة القتال ، ولو كلف تحرير هذا الوطن المقدس من رجس الكفار والمستعمرين استشهاد ملايين المسلمين ؛ لأن هذا جهاد في سبيل الله تعالى ، وهو فرض على جميع المسلمين .