في افتتاح الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة ـ سبتمبر سنة 2009م ـ خطب بنيامين نتنياهو ـ رئيس وزراء الكيان الصهيوني ـ فدعا الفلسطينيين إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. وقال ـ ما يردده الصهاينة منذ أكثر من قرن من الزمان ـ قال: هذه أرضنا.. وأرض أجدادنا!!..
وهذا الحديث عن "أرض الأجداد" يوجب علينا أن نذكّر نتنياهو بأنه ـ كأغلب حكام ومستوطني الكيان الصهيوني ـ هم غرباء عن أرض فلسطين، هاجروا إليها بعد تأسيس الحركة الصهيونية سنة 1897م.. وأنهم وآباءهم وأجدادهم لا علاقة لهم بالعبرانيين القدماء، لأنهم من "اليهود الخزر"، الذين هاجروا من روسيا القيصرية إلى وسط أوروبا، وتحالفوا مع الإمبريالية الغربية لإقامة كيان استيطاني، يقطع وحدة أرض الأمة العربية، ويكون قاعدة عسكرية للمد الاستعماري في الشرق الإسلامي، و"كلب حراسة" لإجهاض تحرر الأمة العربية ووحدتها ونهوضها ولذلك فإن أجداد نتنياهو لم تكن لهم علاقة بفلسطين في يوم من الأيام.
وإذا جاز لنتنياهو أن يدعي أن اليهودية ـ كدين ـ تؤسس له "نسبًا" وسلطته ـ وكيانه الصهيوني ـ بالعبرانيين القدماء، الذين عاشوا قديمًا على أرض فلسطين.. فإن من واجبنا أن نذكره بأن هذا الوجود العبراني القديم على أرض كنعان ـ فلسطين ـ قد كان وجودًا غازيًا.. وطارئًا.. ومؤقتًا.. تشهد على ذلك حقائق التاريخ، وحتى أسفار العهد القديم.
فاليهودية ـ التي يتخذها الصهاينة نسبًا للعبرانيين القدماء ـ قد نشأت ـ كدين وشريعة وتوراة ـ على يد موسى ـ عليه السلام ـ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ـ وموسى قد ولد ونشأ وبعث ومات ودفن بمصر.. ولم يكن لدينه أية علاقة بأرض كنعان ـ فلسطين ـ .. حتى أن التوراة قد نزلت على موسى بالهيروغليفية ـ لغته ولغة بني إسرائيل ـ قبل نشأة اللغة العبرية ـ التي هي في الأصل لهجة كنعانية ـ بأكثر من قرن من الزمان!.. وكانت أرض كنعان عربية قبل موسى بسبعة عشر قرنًا، وفي أسفار العهد القديم ـ كتاب نتنياهو ـ وخاصة أسفار "التثنية" و"العدد" ما يشهد على أن بني إسرائيل إنما دخلوا أرض كنعان ـ فلسطين ـ غزاة، وأنهم مثلوا لونًا من أبشع ألوان الاستعمار الاستيطاني، الذي أباد سكان عدد من المدن الكنعانية.. وأن هذا الوجود الاستيطاني العبراني لم يتعد مجرد لحظة من لحظات التاريخ العربي ـ القديم والعريق ـ لأرض فلسطين.. فالدولة العبرانية التي نجحوا في إقامتها بهذه الأرض لم يتعد عمرها 415 سنة ـ في القرن العاشر الميلادي ـ على عهدي داود وسليمان ـ عليهما السلام ـ بينما التاريخ المكتوب والمتواصل لعروبة القدس وفلسطين إنما يعود إلى الألف الرابعة قبل الميلاد، عندما بنى العرب اليبوسيون مدينة القدس ـ أي على ما قبل ستين قرنًا من التاريخ العربي المكتوب لهذه البلاد.
وإذا جاز لنتنياهو ـ وغيره من الصهاينة ـ أن يدعي نسبًا أبعد من عصر موسى، ويرجع بهذا النسب إلى إسحاق بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ فإن حقائق التاريخ تقول إن إبراهيم قد هاجر إلى أرض كنعان في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.. أي بعد بناء العرب اليبوسيين للقدس بواحد وعشرين قرنًا! ـ ومن ثم فإن القدس وفلسطين عربية.. والأجداد الذين يضرب تاريخهم في أعماق تاريخها هم أجداد العرب الفلسطينيين.. بل لقد كانت هذه الأرض مباركًا فيها للعالمين قبل أن يرحل إليها أبو الأنبياء إبراهيم ـ عليه السلام ـ { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء ـ 71..)
وإذا كان هذا هو حال الوجود العبراني ـ الغازي.. والطارئ.. والمؤقت ـ في التاريخ القديم الفلسطيني.. فإن التاريخ الحديث لليهود بهذه البلاد كان هامشيًا.. ففي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي لم تزد نسبتهم في سكانها عن 2%.. وفي سنة 1918م كانوا 8% من السكان لا يملكون سوى 2% من أرضها.. وحتى في سنة 1948م ـ ورغم إعانة الانتداب البريطاني لهم على الاستيطان فيها ـ فإن نسبتهم في السكان لم تتعد 31% من السكان ، يملكون 6.7% من أرض فلسطين..
فلا واقع التاريخ القديم.. ولا واقع التاريخ الحديث يجعل لنتنياهو أجدادا ولا وجودًا ولا حقوقًا في أرض فلسطين.
ــــــــــــــــ
المصريون