رغم موقفها المناهض للحجاب والنقاب والزي الإسلامي عمومًا، إلا أن الحكومة الفرنسية بدأت حملة لجذب مليارات الدولارات من الدول الإسلامية وتحويل باريس إلى عاصمة أوروبا للتمويل الإسلامي.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن فرنسا التي تضم أكبر أقلية مسلمة في أوروبا تأمل في الإطاحة بلندن بوصفها المحور الأوروبي للعمل المصرفي الإسلامي، وتحاول تقديم معاملات تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وتلبية احتياجات كبار المستثمرين ومعظمهم من دول الخليج.
وبريطانيا هي البلد الغربي الوحيد من بين 15 دولة على مستوى العالم التي تعتمد نظام التعامل بالسندات الإسلامية، كما أنها الدولة الأوروبية الوحيدة التي رخصت لتأسيس مؤسسات مالية إسلامية قائمة بذاتها.
وكان البرلمان الفرنسي قد وافق خلال الشهر الجاري على تعديلات قانونية تسمح بإصدار سندات إسلامية، كما وافق على الطلب المقدم من بنك قطر الإسلامي للترخيص له كأول بنك إسلامي في فرنسا.
لكن هذه التعديلات كانت سبباً في توجيه النائب الاشتراكي "هنري إيمانويلي" اتهاماً للحكومة بتقويض العلمانية لدعم مصالح الأغنياء قائلاً: "عندما يكون المسلمون أغنياء نرحب بهم.. لكن عندما يكونون فقراء نضعهم على طائرات ونرحلهم من بلادنا.. هذا شيء مزعج للغاية"، مضيفاً أننا "يجب ألا نسمح لمبادئ الشريعة الإسلامية أن تدخل في تشريعات القانون الفرنسي".
وندد حزب الجبهة الوطنية الفرنسي ( من اليمين المتطرف) بالتمويل الإسلامي، واصفاً إياه بـ"المجتمع القائم على خطر الهجرة". وبعد أن فشلت المعارضة الاشتراكية في الحصول على أصوات كافية لتعطيل التعديلات الجديدة، قدمت للجهات القانونية المعنية طعناً في مشروعيتها.
ويقول خبراء اقتصاديون إن الأموال التي تم جمعها من خلال التمويل الإسلامي يمكن أن تساعد على تحفيز الانتعاش الوليد في فرنسا. وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية اعتبر كثير من خبراء الاقتصاد في الغرب التمويل الإسلامي أسلم الحلول الاقتصادية للأزمة.
وتخطط وزيرة الاقتصاد الفرنسية "كريستين لاجارد" وحاكم المصرف المركزي "كريستيان نوير" لعقد مؤتمر رئيسي في باريس هذا الأسبوع، بهدف تشجيع التمويل الإسلامي في الاقتصاد الفرنسي.
وتشير تقديرات أوردها "إلياس جويني" - باحث اقتصادي فرنسي- في دراسة قدمها للحكومة الفرنسية العام الماضي، إلى أن فرنسا يمكن أن تستفيد بأكثر من 120 بليون دولار من عمليات التمويل الإسلامي عن طريق إجراء تعديلات على نظامها الضريبي والقوانين المصرفية.
وأوضح "جويني" في دراسته أن "هناك أهمية بالغة لاحتياطيات المال في دول الخليج وجنوب شرق آسيا، وهذه الدول على استعداد للاستثمار في أي مكان.. لكن لديهم قواعد محددة من حيث الأخلاق ومن حيث اختيار الاستثمار"، مضيفاً أنه "إذا كانت فرنسا تريد اجتذاب تلك الأموال لاقتصادها فيجب أن تتيح الفرصة لهؤلاء المستثمرين على القيام بذلك وفقاً لقواعد التمويل الإسلامي".
وأشار "جويني" إلى أن 7 مليارات يورو سيتم استثمارها من المسلمين الفرنسيين والذين يقدر عددهم بنحو 7 ملايين مسلم، ويتوقون للصفقات المالية التي تتفق مع عقيدتهم الإسلامية. وأرجع الباحث الاقتصادي رفض المعارضة الفرنسية للتمويل الإسلامي إلى التغييرات التي تنبع من "الخوف من المجهول".
وقال "جويني" في دراسته: إن "العديدين يخلطون بين المصطلحات الإسلامية وبين الإسلاميين أنفسهم، كما أنهم يسيئون فهم هذه المصطلحات.
وأضاف "جويني": "على الرغم من أن التمويل الإسلامي يستمد من المبادئ الأخلاقية للشريعة الإسلامية، لكنه في مصلحة قوانين الجمهورية وليس من خارج الحدود الشرعية أو المجتمع المدني".
ويعد التمويل الإسلامي واحداً من أسرع القطاعات نمواً في الصناعات المالية؛ حيث نما بنحو 15% خلال السنوات الثلاثة الماضية، وتقدر قيمة استثماراته حاليا بحوالي 700 مليار دولار في جميع أنحاء العالم في تحد واضح لأزمة الائتمان العالمية، كما يتوقع خبراء أن ترتفع أصوله إلى تريليون دولار بحلول عام 2013.
والبنوك العالمية الشهيرة مثل "سيتي جروب"، و"دويتشه بنك"، و"إتش إس بي سي"، وكذلك العواصم المالية مثل لندن، وطوكيو، وهونج كونج كلها تشجع الأعمال المصرفية الإسلامية.
وتأتي هذه الحملة الحكومية التي تسعى لجذب التمويل الإسلامي لفرنسا في الوقت الذي يناقش البرلمان الفرنسي حالياً مسألة حظر الحجاب والنقاب، ومن المقرر أن تقدم لجنة تحقيق برلمانية تقريراً عن ذلك في نهاية يناير 2010.
وكان الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" اعتبر في خطاب له أمام برلمان بلاده منذ 3 أشهر أن النقاب يشكل علامة "استعباد" للمرأة، وأن ارتداءه "غير مرحب به" في فرنسا.
___________
المصريون 28/9/2009م بـ"تصرف"