ورد لفظ (الأمر) بمشتقاته المختلفة في القرآن الكريم في أكثر من مائتي موضع، بين اسم وفعل، وبمعان مختلفة، بحسب السياق الذي ورد فيه؛ كقوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} (النحل:1)، وقوله سبحانه: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} (النساء:83)، وقوله تعالى: {فلا ينازعنك في الأمر} (الحج:67)، ونحو ذلك من الآيات.
وقبل الوقوف على المعاني التي ورد فيها لفظ (الأمر) في القرآن، يحسن بنا أن نعود إلى معاجم اللغة، لمعرفة معنى (الأمر) في لغة العرب:
تفيد معاجم اللغة أن لفظ (الأمر)، يأتي على خمسة معان أساسية:
الأول: (الأمر) بمعنى (الفعل) و(الشأن)، ويجمع على أمور؛ تقول: هذا أمر رضيته، وهذا أمر لا أرضاه. وعلى هذا المعنى جاء قولهم في المثل: أمر ما أتى بك.
الثاني: (الأمر) الذي هو نقيض (النهي)، ويجمع على أوامر؛ كقولك: افعل كذا، على جهة الأمر والطلب؛ وهو مقابل (النهي) عن فعل ما.
الثالث: (الأمر) بمعنى النماء والبركة؛ وعلى هذا المعنى جاء قول العرب: من قل ذلَّ، ومن أمِرَ فلَّ، أي: من كثر غلب. ومنه قولهم: لقد أمِرَ بنو فلان، أي: كثروا.
الرابع: (الأمر) بمعنى العلامة، تقول: جعلت بيني وبينك أمارة وأمارًا، أي: موعدًا وأجلاً.
الخامس: (الإمْر) بكسر الهمزة، كـ (الإصر) بمعنى (العَجَب)؛ يقال: شيء إمْر، أي: عجب ومنكر، ومنه قول الشاعر:
لقد لقي الأقران مني نكرًا داهية دهياء إدًّا إمْرًا
أما في القرآن الكريم، فقد جاء لفظ (الأمر) على عدة معان مختلفة:
فجاء بمعنى (الوعد)، ومنه قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} فـ (الأمر) هنا (الوعد)، أي: ما وعدهم به من المجازاة؛ ومثله قوله سبحانه: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} (هود:40) أي: جاء وعد الله، بإرسال الطوفان على قوم نوح.
وجاء (الأمر) في القرآن بمعنى (الدين)، ومنه قوله تعالى: {حتى جاء الحق وظهر أمر الله} (التوبة:48)، يعني دين الله الإسلام؛ ومثله قوله سبحانه: {فلا ينازعنك في الأمر} (الحج:67) فـ (الأمر) في الآيتين يراد به دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وجاء (الأمر) في القرآن بمعنى (الشأن) و(الفعل)؛ ومنه قوله تعالى: {وما أمر فرعون برشيد} (هود:97)، أي: وما فعل فرعون وشأنه برشيد؛ ومنه قوله سبحانه: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} (النور:63) أي: عن سبيله، ومنهاجه، وطريقته، وسنته.
وجاء (الأمر) بمعنى (القول)، ومنه قوله تعالى عن قوم فرعون، حين اختلفت أقوالهم حول موسى عليه السلام، وما جاءهم به: {فتنازعوا أمرهم بينهم} (طه:62)، أي: تنازعوا القول بينهم، واختلفوا في أمر موسى؛ وقوله سبحانه عن أصحاب الكهف: {إذ يتنازعون بينهم أمرهم} (الكهف:21)، أي: اختلف قول علية القوم في شأن الفتية المؤمنة، الذين فروا بدينهم ولجؤوا إلى الكهف.
وجاء (الأمر) بمعنى (الحساب)، ومنه قوله تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر} (إبراهيم:22) أي: انتهي من الحساب، وبيان كل إنسان ما له وما عليه؛ وقوله سبحانه: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} (مريم:39)، أي: فُرغ من الحساب، وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
وجاء (الأمر) بمعنى (الذنب)، ومنه قوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} (المائدة:95)، وقوله سبحانه: {ذاقوا وبال أمرهم} (الحشر:15)، فـ (الأمر) في الآيتين وما شابههما معناه (الذنب)، أي: نالهم عاقبة ما ارتكبوه من الذنوب والمعاصي.
وجاء (الأمر) بمعنى القضاء والقدر، ومنه قوله تعالى: {يدبر الأمر} (يونس:3)، وقوله سبحانه: {ومن يدبر الأمر} (يونس:31)، قال مجاهد: يقضيه ويقدره وحده.
وأخيرًا لا آخراً، فقد جاء (الإمْر) بكسر الهمزة، في القرآن بمعنى (العجب)، ومنه قوله تعالى: {لقد جئت شيئا إمرا} (الكهف:71)، أي: لقد جئت شيئًا عجبًا ومنكراً.
ولا يقتصر لفظ (الأمر) في القرآن على المعاني السابقة، بل قد يأتي على معان أُخر، يحددها السياق والموضوع. والمهم في هذا الصدد، أن نعلم أن هذه المعاني المذكورة للفظ (الأمر)، ليست معان متعينة، لا يحتمل المقام غيرها، وإنما هي معان يحتملها اللفظ، ويحتمل غيرها، وقد يرجح السياق الذي ورد فيه لفظ (الأمر) معنى على آخر.