أقسم الشيطان الرجيم بعزة رب العالمين بأنه سيضل عباد الله أجمعين إلا عباد الله المخلصين، وقد اتخذ الشيطان منذ ذلك الحين كل الأسباب التي يبر بها قسمه، فما من سبيل يضل بها الناس عن الوصول لرضا الرب تعالى إلا سلكها، ولا طربق تبلغه مراده إلا طرقها.. ومن أساليب الشياطين في إضلال الخلق ما يمكن أن نسميه "بالوحي الشيطاني" وهو ما أثبته ربنا سبحانه في كتابه العزيز بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}[الأنعام:112].
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس، قال، فقال: يا أبا ذر، هل صليت؟ قال: لا يا رسول الله . قال: قم فاركع ركعتين. قال: ثم جئت فجلست إليه، فقال: يا أبا ذر، هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس؟ قال قلت:لا، يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم، هم شر من شياطين الجن" [وقد صححه ابن كثير بمجموع طرقه].
وعن عكرمة قال: للإنس شياطين وللجن شياطين، فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا.
وهذا الوحي أحيانًا يكون في صورة تشكل فيكلم الشيطان الناس فعلاً.. كما روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث.
وقد يكون هذا الوحي وسوسة يريد من ورائها فتح باب الكفر والتشكيك وهز العقيدة في قلوب الخلق كما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول من خلق ربك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته".
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله هذا فمن خلق الله، فمن وجد من ذلك شيء فليقل آمنت بالله".
وربما ظن بعضهم أنها أرواح أصحاب هذه الأصنام، وربما ظن آخرون أنها الملائكة فيزيدهم ذلك اعتقادًا في الأصنام، وتمسكًا بعبادتهم لها.
ياعزى كفرانك لا سبحانك.. ... .. إني وجدت الله قد أهانك
ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حممة، ثم عضد الشجرة وقتل ديبة السادن ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: تلك العزى ولا عزى بعدها للعرب.
يقول عكرمة رحمه الله: قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني حتى كان يتعاهد مبيتي بالليل. فقال لي: اخرج إلى الناس فحدثهم، فخرجت فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي؟ فقلت: الوحي وحيان. قال الله: {بما أوحينا إليك هذا القرآن}، وقال تعالى:{شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا}. قال: فهموا بي أن يأخذوني. فقلت: ما لكم ذلك أنا مفتيكم وضيفكم فتركوني.
وهذا الوحي الإبليسي ستجده مع كل من ادعى النبوة كذبا وزورا
فطليحة بن خويلد الأسدي: كان ينهى أتباعه عن السجود ويقول: إن الله لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئًا، اذكروا الله، اعبدوه قيامًا.
وجاء رجل من أصحابه إلى أبي بكر فقال له أبو بكر: ماذا كان يقول لكم؟ قال: "والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام".
وكان مما يقول: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي كم تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين. (فأين هذا من مثل "والعصر"؟)
وقيل: جاء طلحة النمري إلى مسيلمة فسأله عن حاله؟ فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمته فقال: أشهد أنك كاذب وأن محمدًا صادق ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر، فقتل معه يوم عرباء كافرًا.
فأتته فتزوجته وبقيت عنده ثلاثة أيام، فقال عطارد ابن الحاجب وكان من أتباعها
أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها .. ... .. وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وعلى منواله نسج ميرزا حسين علي البهاء صاحب النحلة المنحرفة المسماة بالبهائية والذي زعم أن الله أوحى إليه بكتاب الأقدس.
ومن عجيب وحي الشياطين ما يلقونه على ألسنة أوليائهم ليجادلوا به المؤمنين، فمنه ما جادل به المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ وقيل إن فارس أرسلت به إلى قريش ـ كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله، فما قتل الله فلا تأكلونه وما قتلتم أنتم تأكلونه، فأنزل الله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام:121].
قال ابن كثير في تفسيرها: "أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره وهذا هو الشرك كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة:31].
وقد روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله ما عبدوهم؟ قال: بلى أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.
وهذا الوحي القديم مستمر في كل زمان فإن أولياء الشياطين ما خلا منهم زمن، ونحن نراه اليوم ونسمعه على ألسنة من يسمون بالمثقفين والمتنورين والموسومين بأفخم الألقاب ترهيبا وتخويفا للمخالف أو من تسول له نفسه الرد عليهم، فما زال الشيطان يوحي إليهم ويلقي على ألسنتهم أمورا كبَّارا ما أنزل الله بها من سلطان.. فهذا يطعن في الإسلام ويسم أصحابه بالتخلف والرجعية والإرهاب، وذاك يطعن في تاريخ الإسلام وعصر الراشدين ويزعم أن "السرقة كانت متفشية في المدينة في عهد عمر بن الخطاب!!"، " وحتى البغاء كان متفشيا في تلك الحقبة الذهبية"!!.. ولا مانع يمنعهم ولا رادع يردعهم عن مخالفة المعلومات من الدين بالضرورة وخرق الإجماع بالمناداة بزواج المسلمة من النصراني والتهكم بأركان الإسلام كالحج وما فيه من سعي ورمي جمار وطواف بالبيت الحرام، .. إلخ. وجعبتهم لا تفرغ أبدا إلا إذا تاب إبليس عن الوسوسة والوحي لهم، ولن يكون هذا حتى يشيب الغراب أو يعود اللبن إلى الضرع.
وقد وصف الإمام ابن القيم هذا الوحي الشيطاني وحال هؤلاء أجمل وصف وأبينه حين قال في إغاثة اللهفان: ومن حيله ومكايده (يعني إبليس): الكلام الباطل، والآراء المتهافتة، والخيالات المتناقضة التي هي زبالة الأذهان، ونجاسة الأفكار، والزَبَد الذي يقذف به في القلوب المتحيرة، التي تعدل الحق بالباطل والخطأ بالصواب، قد تقاذفت بها أمواج الشبهات، ورانت عليها غيوم الخيالات، فمركبها القيل والقال، والشك والتشكيك، وكثرة الجدال، ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه، ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه، {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا}، وقد اتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورًا، وقالوا من عند أنفسهم منكرًا من القول وزورًا، فهم في شكهم يعمون، وفي حيرتهم يترددون. نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تلته الشياطين على ألسنة أسلافهم من أهل الضلال فهم إليه يتحاكمون، وبه يتخاصمون، فارقوا الدليل، واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل.